صبيرة طومسون
فكرة أطلقها المستشرق “هاملتون جب” Gibb Sir. Hamilton، تحولت فيما بعد إلى “نظرية” يتسابق مفكري الشرق وباحثيه وحتى دجّاليه ومُشعوذي الفكر فيه على التّفاني في تطبيقها ، والعمل على ترسيخها ،وهي فكرة رائجة كل واحد تناولها من زاوية، و( الشرق) هو العالم الإسلامي بلغة الاستشراق.
موضوعها ” الصّبيرة ” ، والصّبيرة من الصّبار ، فاكهة شوكية تنبث في المناطق الساخنة ، وهي موجودة بكثرة في المغرب وهذا وقتها ، يُطلق عليها باللهجة المغربية ” الكرموس الهندي” كما توجد في سائر البلاد العربية ، حُلوة المذاق ، تُسلخ بالسكين بطريقة فنية وتؤكل ، حين تناولها ” طومسون” وهو رجل أمريكي قام بتنقيتها ثانية ، بحيث أخذ يزيل منها نواتها ، يبدو أن الفاكهة غريبة عن طومسون ، لم يألفها ولم يسبق له تناولها ، وهذه الصورة هي التي بنى عليها هاملتون جب فكرته في تنقية الأحاديث النبوية الشريفة وإزالتها من الإسلام ، والفكرة أتيتُ على ذكرها في كتابنا ” الاستشراق والعلوم الإسلامية بين نقلانية التأصيل وعقلانية التأويل ” { المبحث المتعلق بشبهات المستشرقين في السّنة النبوية ، وذلك في الصفحة 397 من ط1 نقلا من مصادر أخرى } ، يقول فيها :
( إن الإسلام مبني على الأحاديث أكثر مما هو مبني على القرآن ، ولكنّنا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء وصار شبه صبيرة طومسون ، وطومسون هذا رجل أمريكي جاء إلى لبنان فقُدّمت إليه صبيرة فحاول أن ينقيها من البذر، فلما نقّى منها كل بذرها لم يبق في يده منها شيء) .
السير هاملتون جب مبشر أمريكي من أصل إنجليزي ، والمبشّرون من أمثاله لهم أسلوب خاص في هدم معتقد الخصم ، والرجل من المُصنّفين الكبار حول الإسلام ،له مقال في حجم كتاب بعنوان ” الخلافة في الإسلام” عام 1939م ، طوّره إلى كتاب بعنوان “الخلافة عند السنّة ” عام 1947م ، ثم صنّف كتابه “الديانة المحمدية ” الذي أصدره عام 1949م .
فكرة الصّبيرة مستوحاة من دراسته عن الإسلام والسنّة النبوية ، وهي فكرة عانقها مَنْ بنى عليها نظريات يُراد لها أن تنتشر وتشتهر ، تعدّدت هذه النظريات وتنوعت بعناوين متعددة : ” فصْل السنة عن القرآن” ، ” الطعن في الحديث ” بدعوى أنه مكذوب ، ” الطعن في مصادر السنة” ، ” القراءة الجديدة للقرآن الكريم” ، ” القراءة المعاصرة للقرآن” ،إعادة تفسير الكتاب العزيز ، شن حملة على الروايات والمرويات ، الطعن في الحديث وعلم الحديث والصحابة والشيوخ، الاستهتار بمناهج علم الحديث مثل : الجرح والتعديل والتعليل وعلوم السند والمصطلح…..
فكرة “هاملتون جب” دفع بها شيوخ مُسنون منهم من لقي ربّه ، وآخرون مازالوا يقومون بتنفيذ الوصية وتطبيق الفكرة ، ويتبعهم في ذلك الفِراخ الجُدد.
لا شيء في الفكرة يصلح أن يبني عليه هؤلاء أعمالهم ، لا الصبيرة ولا الإسلام ، الصبيرة لم تنبث في بلاد الغرب لذلك لا يجيدون أكلها ، وقد حكى لي زميلي الدكتور زكريا أنّ أحد السياح لما نزل في طنجة سأل شابّا في المدينة يبيع الصبّار فناوله واحدة من دون سلخ فأكلها بشوكها ، ولا الإسلام هو دينُهم الذي يحملون همّه ، ولهم غيرة عليه حتى يفعلوا به ما فعل طومسون بالصّبيرة ، ولا حتى الفكرة في أصلها سليمة ، فتنقيةُ الإسلام من الأحاديث ” الكاذبة” كما جاء في النص قام به علماء الفن ، وصيّروا لعملية الجمع والغربلة والانتقاء “منهجا” قوامه على : التحصيل ، والضبط ، والأداء ، وهو منهج يجهله هاملون جب وشاخت وكولد زيهر وغيرهم .
ثم إن الصبيرة لا تقوم على النّواة فحسب، وحتّى النواة لا قيمة لها في الطّعم ، ففي الصبيرة نواة ولحم ، والجسم يقوم بالعملية بعد هضم الصّبار، يمتص اللحم ويرمي النواة عبر الفضلات ، فتشبيه الأحاديث بالنواة لا يستقيم ، فلا أدري كيف استحوذتْ هذه الفكرة على بعض العقول المناهضة للمرويات الحديثية ، زيّنتْ لهم تنقية الإسلام من الأحاديث والآثار ل “خدمة للإسلام” ! في حين أن هاملتون جب يقول : إذا حذفنا الآثار والأحاديث لا يبقى من الإسلام شيء .