الأخلاق والزهد, المواعظ والزهد والتصوف, النقلانية والمجتمع

الطَّيْمَسْ العلمي أ.د. محمد خروبات

هل أتاكم حديث الطيمس العلمي ، الطيمس ياسادة شخصية حقيقية ، ما سأحكيه هو جزء من ذكريات طفولتي ، في الحي الذي كنت أقطن فيه في الرباط – وهو حي شعبي-  كان الطيمس يعيش ، الطيمس هو دون الشاب وفوق الطفل ، وكنَّا في نفس السن تقريبا ، والطيمس لقب أطلقه عليه أطفال الحي ، وإذا أطلق الأطفال لقبا على غيرهم فذاك هو الاسم ، وهو الرسم ، وهو النعت ، وهو كل شيء ، لقبوه به لتشوه في خِلقته ، كان وجهه أفطس ، وبه تخلف عقلي قليلا ، يبدو غير مستقيم ، لذلك كان لا يلهو مع الأطفال ، يحلو له أن يتجنبهم وهم يلعبون لينظر إليهم من زاوية ينتصب فيها على رأس الزقاق ، عيناه فطساوتان تتحركان باستمرار لا تتثبتان في مقلتيهما ، غالبا ما كان يلبس سروال “الدجين” الأزرق البالي عليه حزام جلدي غليظ ، فيه أصداف نحاسية مثيرة ، كان الطيمس يتبدَّى على هذه الصورة ليرعب من يقترب منه .

 في صباح يوم من الأيام مر عليه ح.ل. وهو رجل كهربائي يدبر

قوت يومه بالمقاولات الصغرى ، أو ما يطلق عليه بالفرنسية “البريكول” ، يأخذ العمل في محل أو محلين ويُشغل الناس وهو يمرعليهم ويراقب ، في هذا الصباح جاءه عمل ثان فكان بحاجة إلى عامل لم يجد غير الطمس واقفا على رأس الدرب ،  سأله هل يريد أن يشتغل ، وعلى الفور قبل الطيمس العرض ، ذهب به  لمْعَلَّمْ – كما نقول – إلى محل كان صاحبه يريد تغيير الزر الكهربائي من مكان إلى مكان آخر داخل البيت ،جُهْدٌ لا يكلف ساعتين أو ثلاثة من العمل ، أخذ المعلم قطعة جبص يابسة ورسم للطيمس ما سيقوم به ، وهو أن يحفر خطا من مكان إلى مكان لأجل تمرير الخيط الكهربائي ، ناوله المطرقة الحديدية والمسمار الحديدي الغليظ ليقوم بالحفر ، وتواعد معه على ساعتين من الوقت ليُتمم لمْعَلَّمْ العملية ، راح  ليتفقد المحل الآخر ، وبعد مضي ساعتين وبينما  لمْعَلَّمْ يقترب من المحل إذا به يجد جمهرة من الناس والطيمس في وسطهم وقد تلبدوا بعنقه ، عوض أن يقوم الطيمس بالحفر الخفيف على الحائط حَفـَرَ حُفرة كبيرة وخرج عند الجيران ، لقد أدرك  لمْعَلَّمْ بأنه أخطأ التقدير في الطيمس .

 أستحضر دائما هذه الواقعة التي يُذكرني بها طيمس آخر ، إنه  “الطيمس العلمي” ، الطيمس الذي وجد الظرف مواتيا للحفر لكنه عوض أن يحفر برفق ، وعلى قدر الحاجة هتك عرض العلوم ، وردم المعارف ، وخرج بذاته على الناس ، كل العلوم ليست عنده على ما يرام إلا هو، فهو على ما يرام ، ما أشبه الطيمس (العلمي) بالطيمس (العملي) .

 والطمس العلمي دائما يرعى حول الحمى ، فهو مع وضد ، نير وقاتم ، يبني ويهدم ، فكره لا يثبت على حال في التحليل والمقال .

بين هذا الطيمس وذاك عناصر تشابه كثيرة، فذاك صامت لا يتكلم وإذا تكلم كَلَّم ، كذلك الطيمس العلمي إذا تكلم غمز ولمز، وطعن في الظهر وقفز، ينط ولا يثبت على حال ، ولنا مع الطيمس العلمي متابعات….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *