الدرس الخامس:
في الركن الأول : النية والإحرام.
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد :
فبعد الدرس السابق الذي تكلمنا فيه عن الحج من حيث الفرضية والتوقيت والأضرب ننتقل الآن للكلام عن أركان الحج ، ركنا بركن ، ومعلوم أن الكلام عن الركن مقدم عن الواجبات والسنن ، ذلك أن من فوت الركن فقد فوت الحج ، وإذا فات لا ينجبر بالدم بخلاف تفويت الواجبات.
أركان الحج أربعة : الإحرام ، والوقوف بعرفة ، وطواف الإفاضة ، والسعي بين الصفا والمروة .
1- الركن الأول : الإحرام .
للإحرام معنيان اثنان متداولان ، وهما ما يتبادر إلى الذهن عند الاطلاق : الأول النية ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )[1] ، ومعلوم أن الحج هو عمل عبادي ، لا بد فيه من النية ، لأن النية هي التيتحدد قصد الحاج من حجه ، هل للتجارة أم للنزهة ، أم للرياء والسمعة ،أم لصلة الرحم ولقاء الأحباب والأصحاب ، أم للعمرة أم للقران ، أم للإفراد بحسب ما بيناه في دروسنا السابقة ، وإذا نوى نفلا لا ينعقد فرضا ، ومن خالف لفظه قصده فالعبرة بالقصد لا باللفظ ، وإذا حج على الصبي أو المريض فهذا يقع نفلا لا فرضا وحجة الإسلام في ذمته ، وهو المستفاد من قوله تعالى ( الأشهر أشهر معلومات ، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) .
فقوله ( فمن فرض فيهن الحج) أي عزم ونوى ، نية الحج هي العزم عليه ، ولا نية مع غير امتثال ، فلا بد فيها من القول والفعل المرتبطين بالحج ، مثل التلبية والتجرد من المخيط والمحيط ، وهذه الآية دليل قوي على ركنية الإحرام ، لأن قوله تعالى 🙁 فرض)، تعني نوى وعزم ، والنية فيه لا تقوم إلا بالعزم عليه ، وبقصده قصدا غير مشوب بما يكدره.
وأما المعنى الثاني فهو لباس الإحرام ، والعلماء لا يفرقون بين النية والإحرام لأن النية مرتبطة به ، فلا يلبس الإحرام إلا بنية الحج لمن قصد الحج ، والإحرام يكون من الميقات ، والميقات على نوعين حددهما الشارع وهما بالتوقيف ، الميقات الزماني والمكاني.
الميقات الزماني عام وخاص ، عينهما الشارع ، العام حدده في الأشهر المعلومات : شوال ، وذي القعدة ، وذي الحجة ، ونحن في الأشهر الحرم ، وهذا يعني أن الأشهر الحرم قد دخلت ، وهذه هي أشهر الحج بالنسبة لمن يريد الحج ، ويخطئ البعض حين يحمل قوله تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ، أن المقصود بها هو حين يكون الحاج في المناسك ، أقول : إن قوله تعالى ( فمن فرض فيهن الحج ) أي في الأشهر الحرم ، وعليه فقوله تعالى: ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) تدخل فيها الأشهر الحرم أيضا ، أما النهي عن الرفث والفسق والجدال أثناء قيام الحاج بالمناسك فهذا داخل من باب أولى ، والخاص محدد بوقت المناسك ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( الحج عرفة) ، ويعني به اليوم ، وغير ذلك من المناسك التي تحددت أوقاتها ، وعُرف زمنها .
الميقات المكاني عام وخاص أيضا ، فالعام حدده الشارع بالنسبة للقادمين مكة من كل الجهات ، عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه قال : ( وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجُحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، قال : فهن لهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ، فمن كان دونهن فمن أهله ، وكذا كذلك ، حتى أهل مكة يهلون منها) [2]، وأما الميقات الخاص فهو الذي يخص أهل المغرب ، وهو من ثلاثة جهات ، فمن كان في مكة فليهل من مكة فمكة كلها ميقات ، ومن توجه من المدينة إلى مكة فالميقات آبار علي ” ذو الحليفة” ، ومن توجه من المغرب فالميقات هو رابغ وهو الجحفة سابقا .
ومن مر من الميقات ولم يحرم فعليه الرجوع إلى الميقات ، فإذا رجع فلا دم عليه ، ومن تعذر عيه الرجوع لخوف على المال والنفس ، أو الخوف من فوات الرفقة ، أو غير ذلك فعليه دم .
2- واجبات الإحرم :
أ- تجرد الذكر من المُحيط والمَخيط بخلاف الأنثى ليس عليها تجرد ، دليل ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال : ( لا تلبسوا القمص ولا العمائم ، ولا السراويل ولا البرانس ، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران أو الورس) [3].
والإحرام يطلق فيراد به ما يستر به الحاج جسمه ، وهو على ثلاثة قطع والرابعة مجوزة ، فالأول قطعة من الثوب توضع في الأسفل ، والثانية قطعة توضع على الكتف ، والثالثة ما ينتعل من غير محيط ولا مخيط ، وقد تقدم ، والمجوز حزام النطاق الذي يشد به الحاج خاصرته ، ويضع فيه وثائقه ونقوده ، ويشترط أن يكون غير مخيط.
وللثوب بهذه المواصفات فلسفة خاصة ما أحوجنا إلى التذكير بها ، وهي أنه :
– يذكر بيوم المولد ، فيوم المولد لففت في خرقة وأنت ضعيف ، لا حول لك ولا قوة ، ويوم المولد ولدت ولا ذنب عليك ، كذلك الحج المبرور .
– يذكر بيوم الوفاة ، حين تكفن في ثوب محيط ، وتوضع في قبرك .
– يذكرك الوقوف بعرفة بالوقوف يوم المحشر ، يوم يحشر الناس إلى ربهم.
– يذكرك بالمساواة المطلقة مع الناس كلهم ، لا فرق بين غني وفقير ، ولا بين صغير وكبير ، الناس سواسية أمام ربهم بلباس واحد .
– الحج هو هجرة إلى الله عز وجل ، استجاب فيها العبد لنداء ربه ، فكان ضيفا من ضيوفه ، حين يلبس الحاج الإحرام يجب أن ينقطع عن الدنيا ليكون مع الله تعالى في هذه الأيام ، ولذلك قال : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )[4] .
ب- التلبية ، واجبة على المحرم ذكرا أو أنثى ، ويجب وصلها بالإحرام ، فمن تركها فعليه دم ، ويسن رفع الصوت بها ، والتلبية المسنونة هي ما رواه سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا يقول : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لا يزيد على هذه الكلمات ) [5] ، ومعناها : إجابة بعد إجابة ، وإخلاص لك ، واستجابة لدعوتك ، وقيل معناها : أنا مقيم على طاعتك وإجابتك .
ج- كشف الرأس ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( ولا تلبسوا العمائم) .
3- سنن الإحرام:
أ- الغسل للإحرام ، يكون متصلا به.
ب- صلاة ركعتين أو أكثر بعد الغسل .
ج- رفع الصوت بالتلبية.
والحمد لله رب العالمين
نشر على الموقع بتاريخ 20/7/2019
………………………………………………………………………………………….