بسم الله الرحمن الرحيم
قبل الكلام على إنجاز الحج بأركانه وسننه نتكلم على صيانته بمجموعة من التوجيهات الأخلاقية والآداب التربوية التي لا بد وأن يتحلى بها الحاج والحاجة لآداء مناسكهم ، فالحج عبادة عظيمة على الحاج أن يستشعرها ويعمل لصيانة حجه حتى لا يضيع منه ، وهذه الأخلاق والآداب على نوعين : نوع منها قبل الإحرام بالحج ، والنوع الثاني أثناء الحج ، نبدأ بالنوع الأول ثم نردفه بالثاني .
هناك ترتيبات يجب أن يبدأ بها الحاج قبل أن يلبس ثياب الإحرام ، وهي :
1- صلة رحمه إن كان قطعها ، وقد شاع من العوائد الفاسدة أن الحاج ينتظر من الناس أن يباركوا له ، وأن يزوروه ، وأن يودعوه بدعوى أنه هو المقبل على الحج ، وهذا من وساوس إبليس ، المبادرة في صلة الرحم يجب أن تبدأ منك .
2- تصحيح الأغلاط مع الجيران ، وتصويب الأخطاء مع كل الناس ، تسامح مع من ظلمته ، أرجع الديون إلى أصحابها ، وكذلك الودائع والرهون ، والفائدة من كل هذا أم لا تترك الذنوب وراءك حتى إذا عُدت تجدها أمامك .
3- الإقبال على الله تعالى بقلب نظيف ، سليم ، خال من الضغائن والأحقاد ، وتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لييسر لك أمور حجك ، فمقدمات الحج هي من الحج ، وهي بداية النجاح أو الفشل ، والدعاء مخ العبادة .
4- السير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمورك كلها ، لأن هذا هو الضمانة الوحيدة للحج المبرور والذنب المغفور.
5- تعظيم شعائر الدين ، وهذا التعظيم يجب أن يظهر في فكر وفعل الحاج ، فلا يتهاون ولا يستهزأ بها ، أو يتهاون فيها لقوله تعالى : ( ذلك ، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [1].
6- تيسير كل الأسباب للتفرغ للعبادة ، والانقطاع عن العالم الخارجي ، فالأيام مباركة ، وساعاتها مباركة يجب على الحاج أن يستغلها في التقرب إلى الله تعالى ، فقوله صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة) [2]، فيه إشارة إلى أن الوقوف هو يوم واحد ، لا يتعدد ، ولا يمكن تغييره ، فمن فاته الوقوف في هذا اليوم فقد فاته الحج ، وهو كناية على استغلال هذه الأيام والأوقات المباركة ، وقد ذهب عبد الله بن عباس وغيره أن المقصود بالأيام العشر في قوله تعالى : ( والفجر ، وليال عشر ) [3]، هي العشر من ذي الحجة ، لعظم قدرها ، ومضاعفة الأجر فيها [4].
7- إعداد العدة للحج ، الحج قد يدوم شهرا كاملا ، وهو سفر عبادي ، فلا بد للمقبل على الحج أن يتزود لذلك ، لا يغالي في حمل اللباس والأكل والشرب ولا يهملها كلية ، وأن يأخذ ما يحتاجه من اللباس ، ومن بعض المأكولات الجاهزة ، ومن الأدوية الوقائية ، ولا أتكلم عن المال الذي يكفيه هناك.
8- كتابة الوصية قبل الخروج إلى الحجة هو فعل يقوم به المخلصون ، والصادقون ، فالأصل أن يؤدي الأمانات والديون والحقوق إلى أصحابها قبل سفره لكن إذا تعذر عليه ذلك ، وضاق عليه الوقت فليكتب وصية صحيحة لأولاده وأهله ، أو يكتبها ويضعها بيد من يثق به .
ومن الآداب والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الحاج في وقت الحج ما يلي:
1- تذكر دائما وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس ، عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع) [5]، يريد بذلك السكينة في السير ، أي الرفق وعدم المزاحمة ، يقول الحافظ ابن حجر في الفتح : ( أي السير السريع ، ويقال هو سير مثل الخبب ، فبين صلى الله عليه وسلم أن تكلف الإسراع في السير ليس من البر أي مما يتقرب به ، ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لما خطب بعرفة ” ليس السابق من سبق بعيره وفرسه ، ولكن السابق من غفر له ” ) [6].
1- الصبر ، وهو خصلة لا بد منها ، فإذا كان الصبر ضروريا في حياة المؤمن بصفة عامة فهو أوكد له في مناسك الحج بصفة خاصة ، والآيات التي تتحدث عن الصبر ، وتحض عليه ، وما أعد الله للصابرين من جزاء كثيرة جدا ، وكذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ونُجمل القول فنقول : إن الصبر لا يأتي إلا بالخير ، فمثلما أن المؤمن عليه أن يصبر على البلاء والمصائب في حياته عامة فعليه أن يصبر على مشاق العبادة ، فكل أركان الاسلام لها مشقة من نوع معين لكن مشقة الحج كبيرة ومتعددة ، ولذلك ربطه الله تعالى بالاستطاعة ، ومع تحصيل الاستطاعة فإنها لا ترفع المشقة ، فعلى الحاج أن يصبر على السفر عند الذهاب والإياب ، وعليه أن يصبر على مخالطة الناس ، فيصبر على الرفيق في الحج زوجة كانت أو زوجا أو أولادا أو أهلا وأقارب أو آباء وأمهات ، أو جيران …، وعليه أن يصبر على الازدحام فكل مناسك الحج تتم بالازدحام وفي وسط الزحمة ، من طواف وسعي ورمي وصلاة إلخ ، وأن يصبر على الفاجعة إذا حصلت له هناك بفقد الأب أو الأم أو الرفيق ، أو فقد المال والزاد …
ركزنا على الصبر لأن بعض الحجاج يتخاصمون ويتشاجرون ، ومنهم من يفسق ويجادل …كل هذا سببه عدم الصبر ، وقد يقول قائل : إن صبري قليل ، ولا أطيق عدم الصبر ، نقول لهذا ولغيره : إذا لم تطق الصبر فتصابر وأظهر الصبر ، فالنفس التي بين جنباتنا يجب أن تُروض وتُربى بالتعوذ على الصبر ، ذلك أن بعض الحجاج يطلقون ألسنتهم في
مناسك الحج رهقا ، ويشكون مما أصابهم من مشقة في الحج ، وينسى هؤلاء أنهم يمارسون الدعاية ضد الحج ، فينفرون الناس من المناسك ، كما أنهم ينسون إن ظفروا بحج مبرور وسعي مشكور ورجعوا بذنب مغفور فهذا أكبر نجاح لهم ، وهذه هي الغاية من الحج .
2- المساعدة والإعانة : هي أن يكون الحاج والحاجة في عون إخوتهم من الحجاج ، فهم ضيوف الرحمن ، وكل من وجد طريقا لعمل البر والخير فلا يقصر ، وليستبق الخيرات ، والحسنات تضاعف هناك ، فليقدموا يد المساعدة بالتوجيه والإرشاد لمن ضل الطريق ، أو تعذر عليه الطواف أو السعي ، وليترفقوا بالناس في الطواف ، والسعي والرجم وأماكن الازدحام التي قد تذهب في أرواح صغار السن وكبار السن والمرضى والمعطوبين ، يساعدوا بالكلمة الطيبة ، وبالمبادرة الحسنة ، وباللقمة وبجرعة ماء وتقريبها …، وبعض الناس يقول “نفسي نفسي” ، وهو أمر لا يوصي به الشرع في هذا المقام ، إذ لو كان الأمر كذلك لكانت المناسك تؤدى على انفراد ، يقول تعالى وهو يخاطب حجاج البيت : (وما تفعلوا من خير يعلمه الله ، وتزودوا ، فإن خير الزاد التقوى ، واتقون يأولي الألباب)[7] .
3- السؤال عن أحكام الحج: وهذا أمر مطلوب ، مرغوب فيه ، فمناسك الحج لا تؤدى كما اتفق ، بل تؤدى بالعلم ، فمن علم فليزم وليطبق وليتحرى النية الصادقة ، ومن لم يعلم فليسأل أهل الذكر ، لقوله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [8]، وعليه نقول : “من علم فليعمل ، ومن لم يعلم فليسأل” ، أي يسأل أهل العلم ، فالحاج قبل أن يروح إلى الحج يؤطره العلماء إداريا وعلميا ، وتصحبه بعثة علمية وإدارية هي رهن إشارته ، مع العلم أن مناسك الحج كلها تؤدى مع الجماعة ، وما كان مع الجماعة هو ظاهر وبين ومكشوف .
4- إمساك الجوارح عن كل ما نهى الشارع عنه : ذلك أن كل ما نهى الشارع عنه في القيام بالمناسك يجب على الحاج أن يمتثل له ، لا يطلق لأذنه العنان لسماع ما لا يُرضي الله تعالى ، فإن قدر أن يُذكر فليُذكر وإن لم يقدر فليحول مكانه وليبتعد ، وعليه أن يغض بصره ، فالنساء بجانب الرجال والرجال بجانب النساء في كل المناسك ، والله سبحانه وتعالى ما شرع ذلك إلا لاختبار إيمان الناس وامتثالهم ، وليمسك لسانه عن السب والشتم والخصام والكلام الزائد لقوله صلى الله عليه وسلم ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”[9] ، ثم إنه في الوقت الذي يمسكها عما نهى الله عنه عليه أن يسخرها فيما امربه الله عز وجل ، من ذكر وتلبية وقراءة قرآن وكلمة طيبة ومذاكرة حسنة حول الحج ومناسكه إلخ، فقوله تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج )[10] إنما المقصود بها حراسة الجوارح وصيانتها ، وحج الإنسان يعني حج جوارجه كلها ، بروحه وبدنه وكافة جوارحه ، فالرفث هو جماع النساء قبل التحلل ، والفسوق هو المعاصي من السب والشتم والكذب والربا وشهادة الزور وعقوق الوالدين وقطع الرحم إلخ ، والجدال هنا على نوعين : نوع يخص مناسك الحج ، فهذه امورها بينة وواضحة ، بينها الله ورسوله ، لا جدال فيها ولا نقاش ، والنوع الثاني الحوار المفضي إلى الشحناء والفرقة وكل كلام مسبب للعداوة والبغضاء مما يكره قوله هو جدال منهي عنه .
5- النظافة : فالنظافة من الإيمان والوسخ من الشيطان ، فقد أراد الله تعالى من المؤمن أن يكون نقيا ، نظيفا ، حسن المظهر والمخبر معا ، فلذلك سن الشرع الوضوء ، وقد سُمي بذلك من الوضاءة ، وسن الغسل لإزالة القذرات ، وسن لبس الثوب على طهارة ، وسن العطر إلخ ، والحاج في وقت الحج يكون بعيدا عن بيته وأثاثه وثيابه لكنه قريب من ربه ، فلا يهمل نظافة ثيابه ، ونضارة جسمه ، وحسن مظهره ، وأن يبتعد عن أكل الثوم والبصل والفجل وكل ما يسبب إذاية الناس والملائكة في المناسك الجماعية ، ويتجنب كل عطر يؤذي الناس ولا يرتاحون له ، ثم إن هذه النظافة تتعداه إلى سكنه ، ومطبخه وأكله وشربه ، كما أنه مطالب بالمحافظة عليها في المراحيض وأماكن الأكل والشرب ، وأماكن الصلاة ، فلا يرمي الأزبال في الطرقات أو أمام سكن غيره بل يحرص على وضعها في مكانها المخصص لها .
6- التزام الدور في المراحيض والمستشفيات وطلب المأكولات ، فلا يتقدم على من سبقه ، ، ويتجنب الازدحام على المراحيض ، وليختار الوقت المناسب لذلك ،ومراحيض الرجال معزولة عن النساء ، وكذلك النساء ، ولا يزدحم على المأكولات والمشروبات ، ولا يكثر من التردد على الأسواق حتى لا يبطل فعله نيته ، فالغرض من الحج هو العبادة لا التجارة ، وللعبادة وقت معلوم فإذا قُضيت المناسك فله الوقت الكافي للتجول واقتناء الحاجيات والهدايا كما قال تعالى في السعي ليوم الجمعة : ( ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)[11] ، فكل فعل عند النداء منهي عنه ، لكن إذا قضيت الصلاة ارتفع النهي وارتبط بالذكر لقوله تعالى: ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله ، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) [12]، ونداء الحج مثل نداء الصلاة لقوله تعالى إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام : ( وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات )[13] .
7- الاحتياط في الحج : أي أخذ الحيطة والحذر ، وهو على نوعين : الأول له صلة بوضع الثقة المطلقة في كل من يؤدي المناسك في الحج ، صحيح أن الأيام أيام عبادة ومناسك ، لكن ليس كل الناس عندهم هذه النية ، فعلى الحاج أن يتحلى باليقظة والفطنة فقد يسرق ماله ومتاعه ، وقد يتعرض للغش والسرقة ، والنوع الثاني الاحتياط في إشعال النار فكثيرا ما يؤدي سوء استخدامها إلى انتشار الحريق بين صفوف الحجاج ، إما باستخدام الوسائل البالية أو عدم حسن استخدامها أو الإفراط في استعمالها إلخ.
8- الاقتصاد في الحج : والاقتصاد هنا مطلق في كل شيء إلا في العبادة ، على الحاج أن يقتصد في الكلام ، فالثرثرة وكثرة الكلام الزائد ترة على صاحبه ، والمزاح وكثرة الضحك تميت القلب ، وليقتصد في الأكل فليست العبرة بزيادة الوزن في الحج بل العبرة بنقصانه ، فأيام المناسك معدودة جدا على الحاج أن يستغلها في العبادة لا في كثرة الطبخ والاجتماع على كؤوس الشاي والأكل والشرب ، وشراء ما لذ وطاب ، وليجتنب تبذير المال ، فكثير من الحجاج ينفقون أرزاق أولادهم في أيام الحج على ترفيه أنفسهم ، وهذا منهي عنه ، فكل ما زاد عن قدر الحاجة فهو إسراف ، لكنه في الوقت نفسه لا يجب عليه الإقتار ، ينفق على نفسه وعند الحاجة ، ويتصدق ويساعد ، وما أنفقه هو مضاعف بعدد مضاعفة الحسنات .
9- حسن المعاشرة : مطلوب منك أيها الحاج أن تحسن معاملة من تعاشر من النساء والرجال ، وما يقال عن الرجل من هذه التوجيهات يقال عن المرأة الحاجة ، كن أكثر طيبة ، وأسلم لسانا ، وأصفى خاطر ، بشوش متطلق ، قم بتسلية الناس بالكلام الطيب وبالنصيحة الموجهة ، روح عليهم إذا قنطوا ، ذاكرهم بما له صلة بالمناسك ، وساهم بكل ما يزيد في إيمانهم ، إنها خلوة إيمانية يسرها الله تعالى قد لا تتكرر مرة أخرى ، لا تنادي من تعرف إلا بلقب الحاج ، وحتى من لا تعرف ، لأن هذا اللقب يذكر المعني بالأمر بأنه حاج إن شاء الله تعالى ، فلا يفسق ولا يرفث ولا يجادل كقولك لمن سابك أو شتمك في رمضان : ” إني صائم ، إني صائم ” [14]، سنها الشارع لأن فيها تذكير للنفس حتى لا تزيغ ، وفيها تذكير للشاتم والمعتدي بأنه صائم أيضا فعليه أن يرعوي حتى لا يُبطل صيامه ، ويستحسن أن يلقب بها الحاج والحاجة حتى بعد عودتهما بل طيلة حياتهما تذكيرا لهما حتى يبقيا على الجادة .
10- التخفيف من حمل المتاع وتحصيل الكفاية المادية : سواء أثناء الذهاب أو في العودة من السفر ، ذلك أن المتاع يشغل ، فإذا شغلك عن العبادة فهو منهي عنه بكل تأكيد ، وإذا لم يشغل عن العبادة فهو يورث للحاج هما زائدا ، فليخفف الحاج من المتاع ، وليقتصر على ما هو ضروري منه ، أما تحصيل الكفاية المالية فيتماشى مع الاستطاعة التي سنها الشارع في فرض الحج ، وهذه الاستطاعة تصاحب الحاج طيلة فترات الحج ، عليه أن يخطط لما ينفقه في أيام الحج تماما كما يفعل في النفقة الشهرية على عياله ، بعض الحجاج ينفقون من دون ترشيد فيتسولون ويتكففون الناس ، ومنهم من يلجأ إلى الاقتراض إذا وجد من يقرضه ، صحيح أننا دعونا إلى مد يد العون والمساعدة لكن لتكون يد الحاج هي العليا ، يعطي ولا يأخذ ، يتصدق بالمعروف ولا يتصدق عليه ، ولا نستغرب إذا وجدنا السلطات المكلفة بالحجاج تتدخل في مصاريف الحجاج ونفقاتهم حماية لهم من الوقوع في هذه الآفات.
11- الإحساس بالعبادة : على الحاج والحاجة أن يحسا بأنهما في عبادة ، والإحساس بالعبادة من الإيمان بل هو الإيمان نفسه ، فالذي يؤدي مناسك الحج عليه أن يُحس بأنه في الحج ، إذا لم يكن عنده هذا الإحساس عليه أن يعيد النظر فيما يقوم به ، فلا بد من الخشوع ، ولا بد من التفكر والتدبر ، يتذكر بأن هذا هو بيت الله ، وهو قبلة المسلمين ، وأن إبراهيم بمعية إسماعيل بنيا البيت هنا ، وأن أمنا هاجر سعت بين الصفا والمروة ، وأن هذا الماء هو ماء زمزم الذي أخرجه الله تعالى لهاجر ولابنها منذ ذلك الوقت إلخ ، وكل ما زاد من العبادة زاد من الفضل ، يقول تعالى لحجاج البيت: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم )[15] .
حين يستشعر الحاج بالعبادة عليه أن يسلك مسالكها ، ويقوم بما يلزم للقيام بها ، هذا الإحساس ضروري جدا لأنه ” إحساس البناء ” ، يبني في نفسه إحساسا يصاحبه مدى الدهر ، يجعل من تلك المناسك راسخة في ذهنه فلا ينساها أبدا ، تدرك مغزى هذا الإحساس حين تجد رجلا أو امرأة حجا منذ ما يقرب من أربعين عاما ومازالت صورة المناسك حية أمامهم ، وبين من حج في العام الماضي وإذا سألته عن ذلك لا يتذكر منه شيئا ، الفرق بين الأول والثاني أن الأول بنى الإحساس بالعبادة في نفسه يوم حجه ، والثاني لم يفعل شيئا من ذلك .
وقد يفهم بعض الحجاج أن التحلل يعني الرجوع عما كان عليه قبل الحج ، فإن رجع إلى الجدل والخصام والمشاجرة والعصيان فهذا انحلال وليس بتحلل ، فالعبادة تبقى لازمة حتى بعد قضاء المناسك لقوله تعالى : ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) [16] .
نشر على الموقع بتاريخ 16/7/2019م
…………………………………………………………………………………………………