الخطب المنبرية والوعظ والإرشاد, المواعظ والزهد والتصوف, فقه وأصول

الدرس الثاني : صيانة الحج (آداب الحج وأخلاقه) أ.د محمد خروبات

 بسم الله الرحمن الرحيم

   قبل الكلام على إنجاز الحج بأركانه وسننه نتكلم على صيانته بمجموعة من التوجيهات الأخلاقية والآداب التربوية التي لا بد وأن يتحلى بها الحاج والحاجة لآداء مناسكهم ، فالحج عبادة عظيمة على الحاج أن يستشعرها ويعمل لصيانة حجه حتى لا يضيع منه ، وهذه الأخلاق والآداب على نوعين : نوع منها قبل الإحرام بالحج ، والنوع الثاني أثناء الحج ، نبدأ بالنوع الأول ثم نردفه بالثاني .

 هناك ترتيبات يجب أن يبدأ بها الحاج قبل أن يلبس ثياب الإحرام ، وهي :

1- صلة رحمه إن كان قطعها ، وقد شاع من العوائد الفاسدة أن الحاج ينتظر من الناس أن يباركوا له ، وأن يزوروه ، وأن يودعوه بدعوى أنه هو المقبل على الحج ، وهذا من وساوس إبليس ، المبادرة في صلة الرحم يجب أن تبدأ منك .

2- تصحيح الأغلاط مع الجيران ، وتصويب الأخطاء مع كل الناس ، تسامح مع من ظلمته ، أرجع الديون إلى أصحابها ، وكذلك الودائع والرهون ، والفائدة من كل هذا أم لا تترك الذنوب وراءك حتى إذا عُدت تجدها أمامك .

3- الإقبال على الله تعالى بقلب نظيف ، سليم ، خال من الضغائن والأحقاد ، وتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لييسر لك أمور حجك ، فمقدمات الحج هي من الحج ، وهي بداية النجاح أو الفشل ، والدعاء مخ العبادة .

4- السير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمورك كلها ، لأن هذا هو الضمانة الوحيدة للحج المبرور والذنب المغفور.

5- تعظيم شعائر الدين ، وهذا التعظيم يجب أن يظهر في فكر وفعل الحاج ، فلا يتهاون ولا يستهزأ بها ، أو يتهاون فيها لقوله تعالى : ( ذلك ، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [1].

6- تيسير كل الأسباب للتفرغ للعبادة ، والانقطاع عن العالم الخارجي ، فالأيام مباركة ، وساعاتها مباركة يجب على الحاج أن يستغلها في التقرب إلى الله تعالى ، فقوله صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة) [2]، فيه إشارة إلى أن الوقوف هو يوم واحد ، لا يتعدد ، ولا يمكن تغييره ، فمن فاته الوقوف في هذا اليوم فقد فاته الحج ، وهو كناية على استغلال هذه الأيام والأوقات المباركة ، وقد ذهب عبد الله بن عباس وغيره أن المقصود بالأيام العشر في قوله تعالى : ( والفجر ، وليال عشر ) [3]، هي العشر من ذي الحجة ، لعظم قدرها ، ومضاعفة الأجر فيها [4].

7- إعداد العدة للحج ، الحج قد يدوم شهرا كاملا ، وهو سفر عبادي ، فلا بد للمقبل على الحج أن يتزود لذلك ، لا يغالي في حمل اللباس والأكل والشرب ولا يهملها كلية ، وأن يأخذ ما يحتاجه من اللباس ، ومن بعض المأكولات الجاهزة ، ومن الأدوية الوقائية ، ولا أتكلم عن المال الذي يكفيه هناك.

8- كتابة الوصية قبل الخروج إلى الحجة هو فعل يقوم به المخلصون ، والصادقون ، فالأصل أن يؤدي الأمانات والديون والحقوق إلى أصحابها قبل سفره لكن إذا تعذر عليه ذلك ، وضاق عليه الوقت فليكتب وصية صحيحة لأولاده وأهله ، أو يكتبها ويضعها بيد من يثق به  .

 ومن الآداب والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الحاج في وقت الحج ما يلي:

1- تذكر دائما وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس ، عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع) [5]، يريد بذلك السكينة في السير ، أي الرفق وعدم المزاحمة ، يقول الحافظ ابن حجر في الفتح : ( أي السير السريع ، ويقال هو سير مثل الخبب ، فبين صلى الله عليه وسلم أن تكلف الإسراع في السير ليس من البر أي مما يتقرب به ، ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لما خطب بعرفة ” ليس السابق من سبق بعيره وفرسه ، ولكن السابق من غفر له ” ) [6].

1- الصبر ، وهو خصلة لا بد منها ، فإذا كان الصبر ضروريا في حياة المؤمن بصفة عامة فهو أوكد له في مناسك الحج بصفة خاصة ، والآيات التي تتحدث عن الصبر ، وتحض عليه ، وما أعد الله للصابرين من جزاء كثيرة جدا ، وكذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ونُجمل القول فنقول : إن الصبر لا يأتي  إلا بالخير ، فمثلما أن المؤمن عليه أن يصبر على البلاء والمصائب في حياته عامة فعليه أن يصبر على مشاق العبادة ، فكل أركان الاسلام لها مشقة من نوع معين لكن مشقة الحج كبيرة ومتعددة ، ولذلك ربطه الله تعالى بالاستطاعة ، ومع تحصيل الاستطاعة فإنها لا ترفع المشقة ، فعلى الحاج أن يصبر على السفر عند الذهاب والإياب ، وعليه أن يصبر على مخالطة الناس ، فيصبر على الرفيق في الحج زوجة كانت أو زوجا أو أولادا أو أهلا وأقارب أو آباء وأمهات ، أو جيران …، وعليه أن يصبر على الازدحام فكل مناسك الحج تتم  بالازدحام وفي وسط الزحمة ، من طواف وسعي ورمي وصلاة إلخ ، وأن يصبر على الفاجعة إذا حصلت له هناك بفقد الأب أو الأم أو الرفيق ، أو فقد المال والزاد …

  ركزنا على الصبر لأن بعض الحجاج يتخاصمون ويتشاجرون ، ومنهم من يفسق ويجادل …كل هذا سببه عدم الصبر ، وقد يقول قائل : إن صبري قليل ، ولا أطيق عدم الصبر ، نقول لهذا ولغيره : إذا لم تطق الصبر فتصابر وأظهر الصبر ، فالنفس التي بين جنباتنا يجب أن تُروض وتُربى بالتعوذ على الصبر ، ذلك أن بعض الحجاج يطلقون ألسنتهم في

مناسك الحج رهقا ، ويشكون مما أصابهم من مشقة في الحج ، وينسى هؤلاء أنهم يمارسون الدعاية ضد الحج ، فينفرون الناس من المناسك ، كما أنهم ينسون إن ظفروا بحج مبرور وسعي مشكور ورجعوا بذنب مغفور فهذا أكبر نجاح لهم ،  وهذه هي الغاية من الحج .

2- المساعدة والإعانة : هي أن يكون الحاج والحاجة في عون إخوتهم من الحجاج ، فهم ضيوف الرحمن ، وكل من وجد طريقا لعمل البر والخير فلا يقصر ، وليستبق الخيرات ، والحسنات تضاعف هناك ، فليقدموا يد المساعدة بالتوجيه والإرشاد لمن ضل الطريق ، أو تعذر عليه الطواف أو السعي ، وليترفقوا بالناس في الطواف ، والسعي والرجم وأماكن الازدحام التي قد تذهب في أرواح صغار السن وكبار السن والمرضى والمعطوبين ، يساعدوا بالكلمة الطيبة ، وبالمبادرة الحسنة ، وباللقمة وبجرعة ماء وتقريبها …، وبعض الناس يقول “نفسي نفسي” ، وهو أمر لا يوصي به الشرع في هذا المقام ، إذ لو كان الأمر كذلك لكانت المناسك تؤدى على انفراد ، يقول تعالى وهو يخاطب حجاج البيت : (وما تفعلوا من خير يعلمه الله ، وتزودوا ، فإن خير الزاد التقوى ، واتقون يأولي الألباب)[7]  .

3- السؤال عن أحكام الحج: وهذا أمر مطلوب ، مرغوب فيه ، فمناسك الحج لا تؤدى كما اتفق ، بل تؤدى بالعلم ، فمن علم فليزم وليطبق وليتحرى النية الصادقة ، ومن لم يعلم فليسأل أهل الذكر ، لقوله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [8]، وعليه نقول : “من علم فليعمل ، ومن لم يعلم فليسأل” ، أي يسأل أهل العلم ، فالحاج قبل أن يروح إلى الحج يؤطره العلماء إداريا وعلميا ، وتصحبه بعثة علمية وإدارية هي رهن إشارته ، مع العلم أن مناسك الحج كلها تؤدى مع الجماعة ، وما كان مع الجماعة هو ظاهر وبين ومكشوف .

4- إمساك الجوارح عن كل ما نهى الشارع عنه : ذلك أن كل ما نهى الشارع عنه في القيام بالمناسك يجب على الحاج أن يمتثل له ، لا يطلق لأذنه العنان لسماع ما لا يُرضي الله تعالى ، فإن قدر أن يُذكر فليُذكر وإن لم يقدر فليحول مكانه وليبتعد ، وعليه أن يغض بصره ، فالنساء بجانب الرجال والرجال بجانب النساء في كل المناسك ، والله سبحانه وتعالى ما شرع ذلك إلا لاختبار إيمان الناس وامتثالهم ، وليمسك لسانه عن السب والشتم والخصام والكلام الزائد لقوله صلى الله عليه وسلم  ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”[9] ، ثم إنه في الوقت الذي يمسكها عما نهى الله عنه عليه أن يسخرها فيما امربه الله عز وجل ، من ذكر وتلبية وقراءة قرآن وكلمة طيبة ومذاكرة حسنة حول الحج ومناسكه إلخ، فقوله تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج )[10] إنما المقصود بها حراسة الجوارح وصيانتها ، وحج الإنسان يعني حج جوارجه كلها ، بروحه وبدنه وكافة جوارحه ، فالرفث هو جماع النساء قبل التحلل ، والفسوق هو المعاصي من السب والشتم والكذب والربا وشهادة الزور وعقوق الوالدين وقطع الرحم إلخ ، والجدال هنا على نوعين : نوع يخص مناسك الحج ، فهذه امورها بينة وواضحة ، بينها الله ورسوله ، لا جدال فيها ولا نقاش ، والنوع الثاني  الحوار المفضي إلى الشحناء والفرقة وكل كلام مسبب للعداوة والبغضاء مما يكره قوله هو جدال منهي عنه .

5- النظافة : فالنظافة من الإيمان والوسخ من الشيطان ، فقد أراد الله تعالى من المؤمن أن يكون نقيا ، نظيفا ، حسن المظهر والمخبر معا ، فلذلك سن الشرع الوضوء ، وقد سُمي بذلك من الوضاءة ، وسن الغسل لإزالة القذرات ، وسن لبس الثوب على طهارة ، وسن العطر إلخ ، والحاج في وقت الحج يكون بعيدا عن بيته وأثاثه وثيابه لكنه قريب من ربه ، فلا يهمل نظافة ثيابه ، ونضارة جسمه ، وحسن مظهره ، وأن يبتعد عن أكل الثوم والبصل والفجل وكل ما يسبب إذاية الناس والملائكة في المناسك الجماعية ، ويتجنب كل عطر يؤذي الناس ولا يرتاحون له ،  ثم إن هذه النظافة تتعداه إلى سكنه ، ومطبخه وأكله وشربه ، كما أنه مطالب بالمحافظة عليها في المراحيض وأماكن الأكل والشرب ، وأماكن الصلاة ، فلا يرمي الأزبال في الطرقات أو أمام سكن غيره بل يحرص على وضعها في مكانها المخصص لها .

6- التزام الدور في المراحيض والمستشفيات وطلب المأكولات ، فلا يتقدم على من سبقه ،  ، ويتجنب الازدحام على المراحيض ، وليختار الوقت المناسب لذلك ،ومراحيض الرجال معزولة عن النساء ، وكذلك النساء ،  ولا يزدحم على المأكولات والمشروبات ، ولا يكثر من التردد على الأسواق حتى لا يبطل فعله نيته ، فالغرض من الحج هو العبادة لا التجارة ، وللعبادة وقت معلوم فإذا قُضيت المناسك فله الوقت الكافي للتجول واقتناء الحاجيات والهدايا كما قال تعالى في السعي ليوم الجمعة : ( ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)[11]  ، فكل فعل عند النداء منهي عنه ، لكن إذا قضيت الصلاة ارتفع النهي  وارتبط بالذكر لقوله تعالى: ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله ، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) [12]، ونداء الحج مثل نداء الصلاة لقوله تعالى إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام : ( وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات )[13]  .

7- الاحتياط في الحج : أي أخذ الحيطة والحذر ، وهو على نوعين : الأول له صلة بوضع الثقة المطلقة في كل من يؤدي المناسك في الحج ، صحيح أن الأيام أيام عبادة ومناسك ، لكن ليس كل الناس عندهم هذه النية ، فعلى الحاج أن يتحلى باليقظة والفطنة فقد يسرق ماله ومتاعه ، وقد يتعرض للغش والسرقة ، والنوع الثاني الاحتياط في إشعال النار فكثيرا ما يؤدي سوء استخدامها إلى انتشار الحريق بين صفوف الحجاج ، إما باستخدام الوسائل البالية أو عدم حسن استخدامها أو الإفراط في استعمالها إلخ.

8- الاقتصاد في الحج : والاقتصاد هنا مطلق في كل شيء إلا في العبادة ، على الحاج أن يقتصد في الكلام ، فالثرثرة وكثرة الكلام الزائد ترة على صاحبه ، والمزاح وكثرة الضحك تميت القلب ، وليقتصد في الأكل فليست العبرة بزيادة الوزن في الحج بل العبرة بنقصانه ، فأيام المناسك معدودة جدا على الحاج أن يستغلها في العبادة لا في كثرة الطبخ والاجتماع على كؤوس الشاي والأكل والشرب ، وشراء ما لذ وطاب ، وليجتنب تبذير المال ، فكثير من الحجاج ينفقون أرزاق أولادهم في أيام الحج على ترفيه أنفسهم ، وهذا منهي عنه ، فكل ما زاد عن قدر الحاجة فهو إسراف ، لكنه في الوقت نفسه لا يجب عليه الإقتار ، ينفق على نفسه وعند الحاجة ، ويتصدق ويساعد ، وما أنفقه هو مضاعف بعدد مضاعفة الحسنات .

9- حسن المعاشرة : مطلوب منك أيها الحاج أن تحسن معاملة من تعاشر من النساء والرجال ، وما يقال عن الرجل من هذه التوجيهات يقال عن المرأة الحاجة ، كن أكثر طيبة ، وأسلم لسانا ، وأصفى خاطر ، بشوش متطلق ، قم بتسلية الناس بالكلام الطيب وبالنصيحة الموجهة ، روح عليهم إذا قنطوا ، ذاكرهم بما له صلة بالمناسك ، وساهم بكل ما يزيد في إيمانهم ، إنها خلوة إيمانية يسرها الله تعالى قد لا تتكرر مرة أخرى ، لا تنادي من تعرف إلا بلقب الحاج ، وحتى من لا تعرف ، لأن هذا اللقب يذكر المعني بالأمر بأنه حاج إن شاء الله تعالى ، فلا يفسق ولا يرفث ولا يجادل كقولك لمن سابك أو شتمك في رمضان : ” إني صائم ، إني صائم ” [14]، سنها الشارع لأن فيها تذكير للنفس حتى لا تزيغ ، وفيها تذكير للشاتم والمعتدي بأنه صائم أيضا فعليه أن يرعوي حتى لا يُبطل صيامه ، ويستحسن أن يلقب بها الحاج والحاجة حتى بعد عودتهما بل طيلة حياتهما تذكيرا لهما  حتى يبقيا على الجادة .

10- التخفيف من حمل المتاع  وتحصيل الكفاية المادية : سواء أثناء الذهاب أو في العودة من السفر ، ذلك أن المتاع يشغل ، فإذا شغلك عن العبادة فهو منهي عنه بكل تأكيد ، وإذا لم يشغل عن العبادة فهو يورث للحاج هما زائدا ، فليخفف الحاج من المتاع ، وليقتصر على ما هو ضروري منه ، أما تحصيل الكفاية المالية فيتماشى مع الاستطاعة التي سنها الشارع في فرض الحج ، وهذه الاستطاعة تصاحب الحاج طيلة فترات الحج ، عليه أن يخطط لما ينفقه في أيام الحج تماما كما يفعل في النفقة الشهرية على عياله ، بعض الحجاج ينفقون من دون ترشيد فيتسولون ويتكففون الناس ، ومنهم من يلجأ إلى الاقتراض إذا وجد من يقرضه ، صحيح أننا دعونا إلى مد يد العون  والمساعدة لكن لتكون يد الحاج هي العليا ، يعطي ولا يأخذ ، يتصدق بالمعروف ولا يتصدق عليه ، ولا نستغرب إذا وجدنا السلطات المكلفة بالحجاج تتدخل في مصاريف الحجاج ونفقاتهم حماية لهم من الوقوع في هذه الآفات.

11- الإحساس بالعبادة : على الحاج والحاجة أن يحسا بأنهما في عبادة ، والإحساس بالعبادة من الإيمان بل هو الإيمان نفسه ، فالذي يؤدي مناسك الحج عليه أن يُحس بأنه في الحج ، إذا لم يكن عنده هذا الإحساس عليه أن يعيد النظر فيما يقوم به ، فلا بد من الخشوع ، ولا بد من التفكر والتدبر ، يتذكر بأن هذا هو بيت الله ، وهو قبلة المسلمين ، وأن إبراهيم بمعية إسماعيل بنيا البيت هنا ، وأن أمنا هاجر سعت بين الصفا والمروة ، وأن هذا الماء هو ماء زمزم الذي أخرجه الله تعالى لهاجر ولابنها منذ ذلك الوقت إلخ ، وكل ما زاد من العبادة زاد من الفضل ، يقول تعالى لحجاج البيت: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم )[15] .

    حين يستشعر الحاج بالعبادة عليه أن يسلك مسالكها ، ويقوم بما يلزم للقيام بها ، هذا الإحساس ضروري جدا لأنه ” إحساس البناء ” ، يبني في نفسه إحساسا يصاحبه مدى الدهر ، يجعل من تلك المناسك راسخة في ذهنه فلا ينساها أبدا ، تدرك مغزى هذا الإحساس حين تجد رجلا أو امرأة حجا منذ ما يقرب من أربعين عاما ومازالت صورة المناسك حية أمامهم ، وبين من حج في العام الماضي وإذا سألته عن ذلك لا يتذكر منه شيئا ، الفرق بين الأول والثاني أن الأول بنى الإحساس بالعبادة في نفسه يوم حجه ، والثاني لم يفعل شيئا من ذلك .

 وقد يفهم بعض الحجاج أن التحلل يعني الرجوع عما كان عليه قبل الحج ، فإن رجع إلى الجدل والخصام والمشاجرة والعصيان فهذا انحلال وليس بتحلل ، فالعبادة تبقى لازمة حتى بعد قضاء المناسك لقوله تعالى : ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) [16] .

نشر على الموقع بتاريخ 16/7/2019م

…………………………………………………………………………………………………

 [1]- سورة الحج الآية 32.

  [2] – سيأتي تخريجه في درس الوقوف بعرفة .

   [3]-  سورة الفجر الآية 1-2.

[4]– أنظر تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير ، تفسير الآية 1و2 من سورة الفجر.4/433، طبعة دار إحياء التراث العربي بيروت الأولى 1417ه/1997م.

[5]– حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الحج ، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة ، وإشارته إليهم بالسوط ، فتح الباري 3/522 رقم الحديث 1671.

 [6]- المصدر السابق.

 [7]- سورة البقرة الآية 197.

  [8]- سورة النحل الآية 43.

[9] – طرف من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الأدب ، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، انظر الفتح 10/445 رقم الحديث 6018.

 [10]- سورة البقرة الآية 197.

 [11]- سورة الجمعة الآية 9.

 [12] – سورة الجمعة الآية 10.

  [13] – سورة الحج الآية 27-28.

[14] – مستوحى من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الصوم ، باب فضل الصوم ، أنظر الفتح 4/103 رقم الحديث 1894.

 [15]- سورة البقرة الآية 198.

 [16]- سورة البقرة الآية 201.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *