بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد،
فهذه دعوة أوجهها للباحثين للاهتمام بمصطلحات الزهد والتصوف وتناولها بالدراسة والتمحيص ضمن مشاريعهم العلمية في إطار التكوينات الأكاديمية أو المواد المدرسة في مختلف مسارات مسلك الدراسات الإسلامية ، أو تسجيل أطروحات دكتوراه في الموضوع ، أو إقامة ندوات وطنية أو دولية بهذا الخصوص.
وقد بدت لي الحاجة ملحة لتوجيه هذه الدعوة بعد أن سُئلنا حول بعض المصطلحات ، وقد أدركنا أن المجال هو مجال الزهد والتصوف ، وهو غير مجال العلوم الإسلامية الأخرى مثل الفقه والأصول والمقاصد والتفسيروالحديث وغيرها ، فهذه العلوم مؤطرة بمصطلحاتها داخل سياق خطابها العلمي ، ولا خلاف في ذلك ، أما مجال الزهد والتصوف فله أسلوبه ولغته الموجودة في مصادره المتداولة والمعروفة ، وقد استُخدمتْ في الخطاب الصوفي مصطلحات دارجة على ألسنة أهل الحال ، وكون تلك المصطلحات موجودة في مصادر التصوف ، وتجري مجرى الاتفاق بين المتصوفة فهذا يدل على أن لها مفاهيمها المعروفة والمتداولة ، وحتى لا تخضع هذه المصطلحات لتفسير الغالين ، وتأويلات المبطلين ، وتحديدات الجاهلين فإنه يجب التعامل معها تعاملا علميا ، وذلك بجردها ، وتصنيفها ، وبحث مفاهيمها على طريقة “الدراسة المصطلحية” التي شقت طريقها ولله الحمد داخل مناهج البحث في العلوم الإسلامية والإنسانية ، والغرض من كل هذا هو متابعة البحث في الموضوع منذ أن رسم معالمه الكاشاني في معجم اصطلاحات الصوفية وغيره ، وتلك الجهود غير كافية ، ومفاهيم المصطلحات تتغير بحسب الزمن وبحسب المقامات والأحوال ، وهي تختلف من زاهد لآخر، والبداية بالعموميات لا تعطي نتيجة علمية لأنها غير منهجية ، وإذا غاب المنهج العلمي غابت المعرفة العلمية.
وقد يقول قائل: إن الموضوع معروف ، وقد قرؤوا لشيوخهم ، واستوعبوا خطابهم وحفظوه ، أقول نعم ، إنه معروف ومحفوظ ولكنه غير مفهوم ، ذلك أن مِن علماء الإسلام من كانوا من أرباب الحال ، فكانوا زهادا ومتصوفة ، مثل سفيان الثوري وأبي زرعة الرازي والحسن البصري وأحمد بن حنبل وابن الجوزي وأبي نعيم الأصبهاني وأبي إسحق الشاطبي ومالك بن أنس الأصبحي وغيرهم ، ومنهم من كان يمزج الزهد والتصوف بالعلم ، فيغذي العقل بالعلم ويطعم القلب بالزهد ، ولم يفرط في خطاب الروح وهوفي خطاب العقل ، مثل الإمام الشاطبي والغزالي وابن الجوزي والحارث المحاسبي وأبي نعيم الأصبهاني وابي القاسم الجنيد القواريري، فجل المتقدمين كانوا على هذا الحال ، كان خطابهم خطابا مقنعا ومؤثرا ، ذلك أن الإنسان لا يتحرك بالعقل وحده بل بالقلب والعقل معا ، وقد حض نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم بتفعيل وظيفة القلب فقال في حديثه الصحيح : ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ” [1].
قلت هذا لأن المتأخرين ليسوا في مقام المتقدمين من جهة اكتساب هذه الخاصية ، فالمعاصرون نبغوا في العلوم الإنسانية والطبيعية حتى كَبُر عقلهم ، لكن قلوبهم ظلت صغيرة ، فهم “عقول كبيرة لقلوب صغيرة” ، لم يستطيعوا أن يجمعوا في توازن محكم بين علوم العقل ومعارف القلب ، وما يخص العلوم الإسلامية من حيث ضبط المصطلحات يخص الزهد والتصوف أيضا ، والكل “علم” و”ممارسة” ، ولا مناص للمتأخرين – وهم على هذا الحال – من ضبط مفاهيم مصطلحات الزهد حتى يكون التواصل مع تراث الزهد والتصوف تواصلا علميا ومنهجيا ، ولا أتكلم هنا عن الممارسة العملية للتصوف بقدر ما أعني شق الطريق نحو ممارسة علمية منهجية في “علم التصوف” ، والصدر مفتوح لكل تعاون علمي في هذا الباب ، والحمد لله رب العالمين.
نشر بالموقع بتاريخ 16/4/2019
…………………………………………………………..
[1] – طرف من حديث النعمان بن بشير ، متفق عليه ، أخرجه البخاري في جامعه الصحيح ، كتاب الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه ، الفتح 1/126رقم الحديث 52.
وأخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه ، كتاب المساقاة ، باب أخذ الحلال وترك الشبهات ، 3/1212 رقم الحديث 1599.
هذا مجال بحثي في ماستر النوازل المعاصرة وقد عكفت الان على جرد مصطلحات التصوف من كتاب إحياء علوم الدين
فشكرا لك استاذي الحبيب على طرحك للموضوع.
ف مازال تأثير ماتعلمته منك ايام الإجازة عالقا
يسر الله اموركم وبارك فيكم ونفع بكم
السلام عليكم
استاذنا الفاضل هذه دراسة جديرة بالاهتمام خصوصا اذا درس مصطلح التصوف بشكل علمي يخرجه من المفهوم الضيق ووضعه لخدمة الانسان في اطار شرعي يتسم بالاعتدال بدل الغلو والتطرف فكل مصطلح له من القيم مايجعله سيفا ذو حدين.
وعليكم السلام ورحمة الله
اللهم يسر
السلام عليكم
رجاءا هل يمكنكم ان تمدوني باسماء لكتب مصطلحات التصوف لدى المتأخرين
وعليكم السلام ورحمة الله
هناك بعض الكتب للاستئناس بها فقط ، منها:
– قاموس المصطلحات الصوفية لصاحبه أيمن حمدي
– موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي لرفيق العجم
– المصطلح الصوفي والكلامي عند الجرجاني في كتاب التعريفات لرغد سليم داود
– معجم اصطالاحات الصوفية لمجموعة من المؤلفين
وغيرها ، وبعض هذه الكتب على النت .
لكن المطلوب في المقال أعلاه ليس هذا ، المطلوب القيام بدراسة المصطلح الصوفي عند علم واحد من خلال كتاب واحد على طريقة الدراسة المصطلحية ، وهذه الدراسة لا يقوم بها إلا من يُجيد خطتها ، والأسلم أن تكون تحت إشراف أستاذ يجيد الخطة وسبق له أن اشتغل بها ، أما النقل من المصادر والمراجع الموجودة ابتداء فهو أمر يتنافى مع المطلوب.
وفقك الله