النقلانية والمجتمع, مناهج الدراسة الجامعية

البحث العلمي والمعرفة العلمية للدكتور محمد خروبات

 

   أُقيد مطلقات هذا العنوان بالقول أن الذي نرمي إليه به هو البحث العلمي والمعرفة العلمية في العلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية ، ذلك أن العلاقة بين ” البحث العلمي ” و ” المعرفة العلمية ” هي علاقة السبب بالنتيجة ، ” المعرفة العلمية ” نتيجة ، و” البحث العلمي ” سببها ، كلما كان البحث علميا كلما كانت المعرفة المتولدة عنه علمية ، وقد قيدت المسألة المثارة للنقاش ب ” العلمية ” لأن البحث بحثان : بحث علمي وبحث ارتجالي ، ومعنى “الارتجالي” أنه غير مقيد بقواعد البحث العلمي وضوابطه داخل حقل العلوم الإنسانية ، ولندع الكلام عن العلوم الإنسانية ونتوقف عند العلوم الإسلامية التي تجسدها ” الدراسات الإسلامية ” التي هي مجال شغلنا ، وإطار اهتماماتنا ، البحث الارتجالي هو البحث الذي يتحرر من ” العلمية ” داخل حقل النقل ، لأن الذي يميز العلوم الإسلامية أن نواة علومها يقوم على ” المنهج النقلي ” ، وهو منهج يتجاور فيه العقل والنقل في صورة ” نقلانية ” متكاملة ، فالبحث المتحرر من قواعد المنهج النقلي وضوابطه وقواعده هو “بحث ارتجالي” ، وما قلناه عن البحث  نقوله عن المعرفة أيضا، المعرفة هي الأخرى معارف : منها المعرفة العلمية التي ننشدها ، والمعرفة الخرافية الأسطورية التي نذمها، والمعرفة الإرتجالية التي نستبعدها ، وهي نتيجة البحث الارتجالي ، وإذا لم يكن هناك بحث ارتجالي حلت المعرفة الأسطورية والخرافية ، فالمعرفة الارتجالية وسط بين المعرفة المتولدة من البحث العلمي  والمعرفة الخرافية الأسطورة المتولدة من لا بحث .

      أكاد أجزم بأن مدار الإنتاج المعرفي في  ” الدراسات الإسلامية ” بكافة فروعها  لا يخرج عن هذه الأشكال الثلاثة ، ونحن حينما نتشدد في البحث العلمي إنما نريد من الرؤية أن تكون علمية ، وإذا تساهلنا في البحث العلمي فسنحصل على معرفة من النوع المشار إليه سلفا .

أمامنا ركام من “الكلام”  المحسوب على الدراسات الإسلامية  يحتاج إلى تقويم وفق المستويات الآتية:

1- بعض المتكلمين سراق معرفة ، وهؤلاء نجوز لهم سرقة المناهج ليعملوا بها في إنتاج المعرفة ، لا ضرر في سرقة “المنهج” ، ولكن الضرر في سرقة المعرفة ، لأن السارق لا يبذل جهدا في الموضوع ، يأخذ ما ليس له وينسبه إلى نفسه ، وهو في الأصل عاجز على إنتاج معرفة علمية .

2- وبعضهم يبحث في الدراسات الإسلامية بغير مناهجها ، بل منهم من يلتمس المنهج من حقول إنسانية أخرى فيقحمها قسرا في العلوم الإسلامية ، هؤلاء تتولد لديهم رؤية غير متجانسة مع المعرفة الإسلامية ، بل ربما أفضت إلى العكس تماما ، العيب في هؤلاء أنهم عاجزون على تمثل “المنهج النقلاني” ، وكثير من هؤلاء يبادلون هذا المنهج العداوة متطاولين في الوقت نفسه على مجاله ، والسبب يرجع إلى الجهل لا إلى المعرفة ، أن تعرف وتفهم ثم تنقد وتتجاوز هذا شيء ، لكن أن تتجاوز وتنقد من دون فهم ولا معرفة هذا شيء آخر.

3- وبعضهم يأخذ من المنهج أجزاءه ، ويتلمس أطرافه ، فيقدم خليطا غير متجانس يفضي إلى رؤية غير متجانسة ، وغالبية هؤلاء من ” الهواة ” لا من المتخصصين ، ينقرون هنا وهناك ، وينتقلون من هناك إلى هنا ،هؤلاء لا يملكون “روح العلم” بل جسده فقط ، أفكارهم باردة ، ومعرفتهم غير متماسكة، إنما هي اشلاء من المنهج محسوبة على التخصص.

 

2 تعليقات على “البحث العلمي والمعرفة العلمية للدكتور محمد خروبات

  1. يقول د. شهاب الدين محمد أبو زهو:

    معنى رائع ، وحقيقة جلية، أصابها هذا المقال البارع.
    جزاكم الله خيرا ، وأمدنا وإياكم بفيض بركته.
    تحياتي الزاكيات
    د. شهاب الدين أبو زهو

    1. مرحبا دكتور
      أهلا وسهلا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *