أُقيد مطلقات هذا العنوان بالقول أن الذي نرمي إليه به هو البحث العلمي والمعرفة العلمية في العلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية ، ذلك أن العلاقة بين ” البحث العلمي ” و ” المعرفة العلمية ” هي علاقة السبب بالنتيجة ، ” المعرفة العلمية ” نتيجة ، و” البحث العلمي ” سببها ، كلما كان البحث علميا كلما كانت المعرفة المتولدة عنه علمية ، وقد قيدت المسألة المثارة للنقاش ب ” العلمية ” لأن البحث بحثان : بحث علمي وبحث ارتجالي ، ومعنى “الارتجالي” أنه غير مقيد بقواعد البحث العلمي وضوابطه داخل حقل العلوم الإنسانية ، ولندع الكلام عن العلوم الإنسانية ونتوقف عند العلوم الإسلامية التي تجسدها ” الدراسات الإسلامية ” التي هي مجال شغلنا ، وإطار اهتماماتنا ، البحث الارتجالي هو البحث الذي يتحرر من ” العلمية ” داخل حقل النقل ، لأن الذي يميز العلوم الإسلامية أن نواة علومها يقوم على ” المنهج النقلي ” ، وهو منهج يتجاور فيه العقل والنقل في صورة ” نقلانية ” متكاملة ، فالبحث المتحرر من قواعد المنهج النقلي وضوابطه وقواعده هو “بحث ارتجالي” ، وما قلناه عن البحث نقوله عن المعرفة أيضا، المعرفة هي الأخرى معارف : منها المعرفة العلمية التي ننشدها ، والمعرفة الخرافية الأسطورية التي نذمها، والمعرفة الإرتجالية التي نستبعدها ، وهي نتيجة البحث الارتجالي ، وإذا لم يكن هناك بحث ارتجالي حلت المعرفة الأسطورية والخرافية ، فالمعرفة الارتجالية وسط بين المعرفة المتولدة من البحث العلمي والمعرفة الخرافية الأسطورة المتولدة من لا بحث .
أكاد أجزم بأن مدار الإنتاج المعرفي في ” الدراسات الإسلامية ” بكافة فروعها لا يخرج عن هذه الأشكال الثلاثة ، ونحن حينما نتشدد في البحث العلمي إنما نريد من الرؤية أن تكون علمية ، وإذا تساهلنا في البحث العلمي فسنحصل على معرفة من النوع المشار إليه سلفا .
أمامنا ركام من “الكلام” المحسوب على الدراسات الإسلامية يحتاج إلى تقويم وفق المستويات الآتية:
1- بعض المتكلمين سراق معرفة ، وهؤلاء نجوز لهم سرقة المناهج ليعملوا بها في إنتاج المعرفة ، لا ضرر في سرقة “المنهج” ، ولكن الضرر في سرقة المعرفة ، لأن السارق لا يبذل جهدا في الموضوع ، يأخذ ما ليس له وينسبه إلى نفسه ، وهو في الأصل عاجز على إنتاج معرفة علمية .
2- وبعضهم يبحث في الدراسات الإسلامية بغير مناهجها ، بل منهم من يلتمس المنهج من حقول إنسانية أخرى فيقحمها قسرا في العلوم الإسلامية ، هؤلاء تتولد لديهم رؤية غير متجانسة مع المعرفة الإسلامية ، بل ربما أفضت إلى العكس تماما ، العيب في هؤلاء أنهم عاجزون على تمثل “المنهج النقلاني” ، وكثير من هؤلاء يبادلون هذا المنهج العداوة متطاولين في الوقت نفسه على مجاله ، والسبب يرجع إلى الجهل لا إلى المعرفة ، أن تعرف وتفهم ثم تنقد وتتجاوز هذا شيء ، لكن أن تتجاوز وتنقد من دون فهم ولا معرفة هذا شيء آخر.
3- وبعضهم يأخذ من المنهج أجزاءه ، ويتلمس أطرافه ، فيقدم خليطا غير متجانس يفضي إلى رؤية غير متجانسة ، وغالبية هؤلاء من ” الهواة ” لا من المتخصصين ، ينقرون هنا وهناك ، وينتقلون من هناك إلى هنا ،هؤلاء لا يملكون “روح العلم” بل جسده فقط ، أفكارهم باردة ، ومعرفتهم غير متماسكة، إنما هي اشلاء من المنهج محسوبة على التخصص.
معنى رائع ، وحقيقة جلية، أصابها هذا المقال البارع.
جزاكم الله خيرا ، وأمدنا وإياكم بفيض بركته.
تحياتي الزاكيات
د. شهاب الدين أبو زهو
مرحبا دكتور
أهلا وسهلا