من إنجاز الأستاذ الدكتور
محمد خروبات ، أستاذ التعليم العالي
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش
…………………………………………………………..
– أنجز هذا العرض للندوة العلمية التي نظمتها جامعة شعيب الدكالي بالجديدة تكريما لفضيلة الدكتور فاروق حمادة تحت شعار ( الدرس الحديثي في المغرب : المعالم والأعلام نماذج ) ، وذلك يوم الخميس 2 مارس 2017م .
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فالشكر موفور للإخوة في شعبة الدراسات الإسلامية بالجديدة الذين حازوا عنصر السبق في تنظيم هذا الملتقى التكريمي لأستاذنا وأستاذ الأجيال فضيلة الدكتور فاروق حمادة ، ولا يخامرني شك في أن هذا التكريم ينبع من الرغبة في إنزال فضيلة الدكتور المحتفى به منزلته ،ولعل السبب في ذلك يكمن في أن كثير من السادة الأساتذة المجتمعين في هذا الملتقى والذين لم تسمح ظروفهم بالحضور إلى هذا الملتقى هم من طلبته ، ومن الذين تتلمذوا على يديه ، ولذلك فإن هذه الشعبة محضوضة لأنها تمكنت أن تجمع فضيلته مع طلبته الذين هم الآن أساتذة في الجامعات المغربية.
لا نتكلم عن مسار الدكتور فاروق حمادة وإسهاماته الجليلة في خدمة العلم والمعرفة داخل شعبة الدراسات الإسلامية ، وأيضا في تأسيس الشعبة والسهر على نموها مع ثلة من الأساتذة الفضلاء ، فهذا أمر واضح جدا ويحتاج إلى مقام آخر من الكلام لكن الحديث عن النهوض بعلوم السنة النبوية ، وخدمة علم الحديث هو أمر يستوقف ، لقد تمكن الدكتور فاروق حمادة من تكوين أجيال عديدة في علم الحديث ، من خلال التدريس والتكوين والإشراف على الرسائل والأطروحات في التخصص داخل جامعة محمد الخامس بالرباط ، ولولاه – بعد الله عز وجل- لما تمكن كثير من الطلبة الباحثين من تسجيل رسائلهم في السنة النبوية وعلم الحديث .
لقد أعطى الدكتور فاروق حمادة للتخصص الشيء الكثير ، لقد اشتغل بالسنة دراسة وتحصيلا في دار الحديث الحسنية ، ثم مدرسا لعلم الحديث في جامعة محمد الخامس بالرباط وفي بعض الجامعات المغربية ومنها جامعة القرويين ذات الإرث الحضاري والتاريخي والعلمي.
ويسعدني في هذا اليوم أن أحظى بشرف تقديم أحد كتب فضيلته وهو بعنوان ( أبحاث مالكية مغربية) ، صدر في طبعته الأولى سنة 2009م الموافق ل 1430ه ، عن دار القلم بدمشق من القطع الكبير ، يقع في مجلد في حوالي 288 صفحة ، والكتاب كما يدل عليه عنوانه هو مجموعة مقالات علمية ، حررها الأستاذ في فترات زمنية مختلفة ، وعددها خمسة : الأول حول مدونة سحنون ، والثاني في النهضة الفقهية في الدولة الموحدية ، والثالث في موضوع المذهبية في فكر ابن رشد الحفيد ، والرابع خُصص لموضوع ريادة القاضي عبد الوهاب البغدادي الفقهية ، والخامس أُفرد لبحث موضوع أحكام الحضانة : سياج لحماية الطفولة ، وقد وضع المؤلف لهذا الكتاب مقدمة دسمة من صفحتين تضمنت الكلام عن المذهب المالكي وظهوره ورسوخه ، يقول : ( وقد كتبت هذه الأبحاث في فترات متباعدة ، ولكنها مشمولة بالصبغة المالكية والمغربية خاصة ، وأذكر أني وبعد أن قرأتها وهيأتها لهذه الطبعة وجدتها كلها بطابع ما أكتب بفضل الله تعالى ومنته ، ليست إنشاء وسردا وتكثير صفحات ، ولو أردت ذلك لكانت هذه المباحث مجلدا ، بل هي كلام دقيق يقصد فكرة ويروم معنى بأسلوب عربي تخصصي يتوجه إلى نخبة أهل العلم والاختصاص راجيا منهم ومن طلاب العلم الإفادة والإضافة حتى تتقدم المعرفة الإسلامية …ويرتقي العلم ) ص8.
بدأ المؤلف الكلام عن مدونة الإمام سحنون بوصفها أم المصنفات الفقهية المالكية ، تكلم عليها نشأة وعناية وتأثيرا ، وهي للإمام سحنون بن سعيد التنوخي القيرواني المتوفى سنة 240ه ، تكلم المؤلف عليها لما لها من تأثير كبير على البلاد الإسلامية كلها والمغرب والأندلس بصفة خاصة ، كان هذا البحث من طلائع البحوث التي تعرف بالمدونة ، ولإكمال الموضوع أردف إليه بالبحث موضوع النهضة الفقهية في ظلال الدولة الموحدية ، وكان الدافع لذلك ما راج من كون الدولة الموحدية ضيقت على المذهب المالكي ، بين المؤلف أن الدولة الموحدية لم تحارب المذهب المالكي كما شاع عند بعض الدارسين ، بل كانت كتب المالكية سائرة ورائجة وفي مقدمتها كتاب الموطأ للإمام مالك بن انس ، والمدونة ، وكتاب بداية المجتهد لابن رشد الذي هو كتاب اختصر فيه كتاب الاستذكار للحافظ ابن عبد البر القرطبي النمري كما ذكر ذلك بنفسه في 2/241 من البداية وغير ذلك ، ولإتمام الصورة كاملة بحث في المقال الثالث موضوع المذهبية في فكر أبي الوليد ابن رشد (الحفيد) حيث تابع المؤلف مختلف الأطوار التاريخية التي عاشها ابن رشد وذلك من خلال مؤلفاته الأولى مثل ( فصل المقال ) و ( مناهج الأدلة ) حين كان متشبعا بالفلسفة ومتمكنا منها ثم ارتكانه إلى المذهب المالكي في مؤلفاته الأخيرة مثل ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد ) ، الذي يتجلى فيه الجنوح البين للمذهب المالكي ، ثم يردف هذا البحث ببحث آخر حول موضوع ( ريادة القاضي عبد الوهاب البغدادي الفقهية : أسبابها وآثارها ) ، والقاضي عبد الوهاب هو بغدادي كانت وفاته بمصر سنة 422ه بعد أن رحل عن بغداد سنة 419ه ، وهوخلاصة مدرسة واسعة ، فقد انتشر فقهه ومؤلفاته في المشرق والمغرب والأندلس فكان بذلك محطة مهمة في تاريخ المذهب المالكي ، استطاع المؤلف أن يقرب إلى القراء هذه الشخصية التي لا يجوز على الباحث في الدراسات الإسلامية بصفةعامة والفقهية المالكية منها بصفة خاصة أن يجهلها أو يتجاهلها .
أما المقال الأخير فهو في أحكام الحضانة ، وقد شُرعت للحضانة أحكام كانت بمثابة سياج لحماية الطفولة البريئة ، وعند النظر في العناصر المكونة للمقال نجد المؤلف قد أحاط بالموضوع من كل النواحي ، فبعد نبذة للتعريف بالبحث وتوطئة كسره على 12 مبحثا ، الأول للحضانة في دلالتها اللغوية والشرعية ، والثاني في حكمها ومستندها ، والثالث لمن تكون الحضانة ، والرابع في زواج الأم من قريب المحضون ، والخامس في زواجها من الأجنبي عن المحضون ، والسادس في الإجبار عن الحضانة والتخلي عنها ، والسابع في ترتيب درجات مستحقي الحضانة ، والتاسع في مدة الحضانة ومرحلة التخيير ، والعاشر في السفر بالمحضون ، والحادي عشر في حق غير الحاضن في متابعة سلوك المحضون ، والثاني عشر في أجرة المحضون ، ثم خاتمة عامة ، ولم يبتعد المؤلف في بحث الموضوع عما جاء في كتب المالكية ولا سيما ما جرى به العمل في المحاكم المغربية وما جاء في مدونة الأحوال الشخصية المغربية .
وفي الختام نقول بأن هذا الكتاب مرجع مهم للباحثين والدارسين في الفقه الإسلامي والمتخصصين في المذهب المالكي ، فهو مجموعة مقالات انتقيت عند الحاجة ، وتمت معالجتها بأسلوب علمي رصين ، وبأسلوب واضح وجذاب ، ثم إنه يقدم خطة منهجية في كيفية اختيار الموضوعات الفقهية وكيفية بحثها ومعالجتها من حيث المصادر والتوثيق منها ، والأعلام والموضوعات والإشكالات المذهبية والعقدية والسياسية والتاريخية ، نفع الله به كما نفع بغيره ، وجزى الله خيرا مؤلفه ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة.