السنة و الحديث

قراءة في كتاب:” أبو حاتم الرازي وجهوده في خدمة السنة النبوية” (الجزء السابع ) (علم الموازنة تنظيرا وتأصيلا)

القراءة في كتاب:” أبو حاتم الرازي وجهوده في خدمة السنة النبوية” 

(الجزء السابع )

(علم الموازنة تنظيرا وتأصيلا)

تأليف فضيلة العلامة الدكتور محمد خروبات حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن علم الحديث رفيع القدر، عظيم الفخر، شريف الذكر، لا يعتني به إلا كل حبر، ولا يحرمه إلا كل غمر، ولا تفنى محاسنه على ممر الدهر، وكان ممن ولج لجة قاموسه، وبقر عن منا بعه ومناشئه، الأستاذ الجليل والعلامة الكبير الدكتور محمد خروبات حفظه الله ونفعنا بعلمه، في كتابه الماتع، وتصنيفه الرائع: “أبو حاتم الرازي وجهوده في خدمة السنة النبوية”، حيث تناول بالدرس والتحليل، والبيان والتفصيل، هذه الشخصية الفذة، المشهورة في ميدان علم الحديث، شخصية أبي حاتم الرازي رحمه الله.
وقد صدر الكتاب في ستة أجزاء تناولت قضايا كبرى، ومسائل كثير، وأبحاث فريدة، متعلقة بعلم الحديث لا يستغني عنها طالب علم أراد التعمق في هذا العلم وسبر أغواره، والغوص في لجج قاموسه. 
وقد صدر حديثا الجزء السابع من هذا الكتاب و يتعلق بفن من فنون علم الجرح والتعديل هو ما اصطلح عليه فضيلة الدكتور ب: “علم الموازنة بين الرواة”.
ويتألف هذا الجزء من مقدمة، وثمان مباحث جامعة، وخاتمة.
وقد تعرض المؤلف في المقدمة إلى تعريف: “علم الموازنة بين الرواة”، حيث ذكر أن هذا العلم، “هو في الأصل فن من فنون الجرح والتعديل يعكس منطق المحدثين في مسائل صنعتهم.. وهو فن تداوله السلف فيما بينهم، فتكلموا به، وسئل الأئمة منهم عنه، وتذاكروه فيما بينهم، وبنوا بمقتضاه أحوال خلق من رواة العلم وقد اعتنى الحذاق من تلامذتهم بجمعه وصيانته، لذلك جاء كثيره موزعا في كتب التواريخ والطبقات والجرح والتعديل، وأسئلة طلبة العلم إلى الشيوخ، إلى غير ذلك من فنون التصنيف التي جمعت سير وتراجم الرواة مرفقة ببيان مراتبهم من جهة الحال، فهو ذخيرة من ذخائر فنون المحدثين، عفا الله عنهم أجمعين”.
كما أشار إلى أن هذا العلم لم يعتنى به بما فيه الكفاية، حيث ذكر أنه لا يعلم “أنه أفرد بالتصنيف أو تم التوسع فيه بالقدر الذي يجليه”.
وعلى هذا فقد بقي هذا العلم رهين الكتب وحبيس أقوال متناثرة هنا وهناك حتى قيض الله له فضيلة الدكتور فجمع شتاته، ووضح معالمه، وسهل الانتفاع به، “جاعلا من أقوال أبي حاتم الأس والعمدة لسبب واحد هو أنه كان من المبرزين فيه”. 
والمؤلف حفظه الله في بحثه هذا لفت الأنظار إلى قضية مهمة وهي صعوبة هذا العلم ووعورته حيث أن “دخول الناقد في موازنة بينه وبين غيره من الرواة شيء زائد عن حد العلم، وعر المسلك، صعب المنفذ، لذلك لم يتكلم فيه إلا جهابذة النقد، وأئمة التعديل والتجريح”.
كما لفت الأنظار أيضا إلى سمات هذا العلم، مشيرا إلى أن “التتبث والتحري من أبرز سماته، وقد حث الشرع على تدبر الخبر، والنظر فيمن رواه، يقول سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا). فحث على التبين في الخبر، وسمى ناقل الخبر غير الصحيح فاسقا”.
وقد وضح المؤلف في ثنايا مقدمته مسألة لا تقل أهمية عن سابقاتها وهي أهمية الموازنة في فحص الأسانيد وتنقيتها من الشوائب، مع الإشارة إلى جهود النقاد في ذلك “حيث خلصوا الخبر من أصناف شتى من الرواة، فيهم الكذابون والوضاعون وأهل الغفلة وأهل الهوى ورواة المناكير والزنادقة…والعلة في رد الأخبار هي من بعض هذه الآفات، ولم يقبل الجهابذة إلا رواية الثقات الأثبات الصدوقين والضابطين.. وهذا كله لم يتم إلا بميزان دقيق خرج منه كل راو بصفة معينة، وبنعت معين يليق بحاله، ومن اكتمال النظر والتقصي وزنوه بغيره، مستعملين في ذلك معايير علمية وخلقية، وفاضلوا بين الرواة حتى ولو كانوا في مقام واحد من الورع والعلم والتقوى”.
هذا ملخص ما جاء في المقدمة، أما ما يتعلق بمحتوى الكتاب فقد ذكرت أن الكتاب يحتوي على ثمان مباحث جامعة تحت كل مبحث مطالب ومسائل يقتضيها المقام، وكلها مرفقة بالبيان والتفصيل والشرح والتحليل المعهود من طريقة الدكتور حفظه الله.
أما المبحث الأول: فقد تناول فيه أسس علم الموازنة المتمثلة –عنده- في المقاصد والأسماء والحجية والتحصيل والأساليب.
أما المبحث الثاني: فقد عالج فيه: ألفاظ الموازنة عند أبي حاتم وأنواعها.
أما المبحث الثالث: فقد كشف فيه عن معايير الموازنة.
أما المبحث الرابع: فجعله خاصا بمعيار القرابة والنسب.
أما المبحث الخامس: فبين فيه أهمية الموازنة في تحديد المراتب، مع إفرادها، وتركيبها، في بيان الحال.
أما المبحث السادس: فأوضح فيه حدود الموازنة وتمييزها وجدليتها ومعاكستها.
أما المبحث السابع: فقدم فيه مظاهر الموازنة بين الرواة من جهتين: من جهة المنهج، ومن جهة الرؤية.
أما المبحث الثامن: فأفرده خالصا لأقسام الموازنة ودورها في تمييز الحديث. 
وقد عالج المؤلف هذه المباحث وفق منهج تفسيري تحليلي رائع لا يدع مجالا للغموض والإشكال، مع ما يكتنف ذلك من الإشارات البديعة، والنكت الحديثية الفريدة، والتعليقات المفيدة، لا سيما فيما يتعلق بعلم الموازنة بين الرواة.
وكما أن لكل علم لغته ومصطلحاته فقد كتب هذا البحث بلغة المحدثين ومصطلحاتهم، مع ما يطبع هذه اللغة من السهولة و الوضوح، بعيدا عن وحشي اللغة، وغرابة العبارة، وتعقيد الأسلوب، بحيث يفهم القارئ المقصود دون عناء، وهذه طريقة الربانيين من أهل العلم، وهي تسهيل طرق العلم، والاستفادة على الناس.
وقد اعتمد المؤلف في هذا البحث على أمهات المصادر والمراجع لا سيما المتقدمة منها، فنجده في أغلب الأحيان يرجع إلى كتاب الجرح والتعديل لعبد الرحمن ابن أبي حاتم، واستفاد أيضا من كتاب التاريخ الصغير للبخاري، وكتاب الضعفاء لأبي نعيم، وكتاب المجروحين لابن حبان، وكتاب ميزان الاعتدال للذهبي وغيرها، وكل هؤلاء أئمة أعلام مبرزون في علم الجرح والتعديل، وتعتبر كتبهم من أهم الكتب المتعلقة بعلم الطبقات الذي تربطه صلة قوية بعلم الموازنة بين الرواة.
وأما خاتمة الكتاب فقد جاءت عبارة عن خلاصة وانطباع لخص فيها المؤلف مفهوم علم الموازنة وأهميته، مشيرا إلى فائدة الكتاب في الكشف عن ضوابط الموازنة وقانونها عند المحدثين، مع أن الكتاب لم يعتمد أسلوب التعميم، ولا طريقة الأخذ من كل الجهود، بل بقي مخلصا للمنهج الذي رسمه المؤلف وهو: البحث في جهود أبي حاتم خاصة، وإذا وجدت بعض العموميات فهي نادرة جاءت عرضا لا قصدا.
كما أو ضح المؤلف أيضا أنه كان يدفع فكرة العلمية عن هذا العلم الموسوم “بعلم الموازنة”، لكن بعد التفتيش والبحث وجمع المادة، والنظر فيها بعين الفحص والتحليل تبين له بعد ذلك أن هذا علم قائم بذاته، لا يوجد من صنف فيه، أو حام طائر فكر أحد حوله.
كما أن المؤلف حفظه الله قد فتح آفاق البحث حول هذا العلم، موضحا أن كتابه هذا يرسم الطريق لتوسيع البحث في موضوع الموازنة، لتشمل آفاقا أوسع كالبحث في الموازنة في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، وفي العلوم الإسلامية، كما يمكن أن يتطرق إلى أبحاث جزئية في الموازنة بين الأقوال والأفعال والأحكام.
وختاما أقول: إن هذا البحث قد جاء نتيجة جهد جبار، وبحث مضني، وخبرة طويلة في ميدان البحث والتدريس، وهو كنز ثمين يضاف إلى رصيد المكتبة الإسلامية، يستحق عليه فضيلة الدكتور محمد خروبات كل تقدير واحترام. 
والسلام
وكتبه: رشيد الزات طالب باحث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *