بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم الكتب يختلف بحسب حاجة الباحثين من الكتاب ، من الباحثين والقراء من يقدم الكتاب لنقده ، ومنهم من يقدمه للتعريف به ، وفي كل الأحوال لا بد – أولا – من ” معرفة ” ما في الكتاب من مواد علمية ، والمعرفة هنا تعني معرفة المحتويات والمضامين التي تتطلب بذل الجهد واستفراغ الوسع في سبيل تملك المادة العلمية للكتاب ، ولتحقيق ذلك لا بد من توفر الشروط الآتية :
أولا : الرغبة في القراءة ، فالقراءة لا تتأتى من دون رغبة ، فالمقبل على القراءة مثله مثل المقبل على الطعام ، إذا لم تكن الشهية موجودة لا يتحقق النفع .
ثانيا : الصبر وحبس النفس على قراءة الكتاب ، هناك كتب تقرأ في يوم ، وأخرى في شهر ، وأخرى في أكثر من ذلك .
ثالثا : التحلي بالموضوعية سواء في العرض أو النقد ، ومن إحدى خصوصيات الموضوعية التحلي بأخلاق المتعلمين ، فللعلم أخلاق تجب مراعاتها والوقوف عند حدودها ، ( طالع مثلا مختصر كتاب ” أخلاق العلماء” للآجري الذي وضعناه بين يديك ).
رابعا : اكتساب الكفاءة العلمية، لأن الإقبال على الكتاب يتطلب شرط اكتساب الصنعة العلمية التي ينتمي إليها الكتاب المراد قراءته.
من هذا المنطلق أقدم بعض التوجيهات المنهجية للطلبة المقبلين على تقديم كتب مختارة ، وهي توجيهات خاصة بالمتدربين في الميدان وإلا فإن للمتخصصين طرقا أخرى في نقد الكتب وتقويمها وتقديمها ، من ذلك :
1- على القارئ أن يتساءل أولا وقبل كل شيئ لماذا يُقْبِل على هذا الكتاب ؟ ، ولأي هدف ؟، حتى إذا عرف القصد وجه جهده إليه.
2- أن يعرف أن ما يقوم به هو مجرد ” تقديم كتاب ” ، وأنه هو المستفيد الأول منه ، لذلك عليه أن يروم الاختصار بلغة سهلة وميسرة ، تنقل فكرة صاحب الكتاب بوضوح تام ، فإذا ضبَّب الفكرة أو عَتَّمها لم يكن الاختصار ذا فائدة.
3- يحاول أن يفهم ما فهم صاحب الكتاب ، فإذا لم يفهم لا يتحقق المراد.
4- يضع في الحسبان أن محاولته هي تدريب على الاختصار ، والتدريب على الاختصار هو في الحقيقة تدريب على الفهم ، وفي التدريب على الفهم ترويض النفس على القراءة والمطالعة ، النفس بطبيعتها لا تصبر لكن تصبيرها يجعلها تتعوذ على ذلك.
5- يروم الاختصار المركز الذي هو من أساسيات التقديم ، فهو يسهل على القراء تفادي التطويل والإكثار ، فإذا كان حجم تقديمه بحجم الكتاب لا يُسمى هذا تقديما ولا اختصارا.
أما الخطة فيجب أن يلتزم فيها بتقديم ما يأتي :
أولا : مؤلف الكتاب : تُذكر نبذة مختصرة عنه ، إذا كان من المتقدمين تُذكر ترجمته معتمدة من كتب الطبقات والأعلام الخاصة بأصحاب فن معين ، ينتخب منها ترجمة جامعة مع توثيقها من مصادرها .
أما إذا كان من المحدثين والمعاصرين فيكتفى فيها بالمشهور من سيرته ، ولا بأس من الاعتماد على ما ينشر في شبكة الأنترنت إذا كانت المعلومة لا توجد إلا فيها.
ثانيا : وصف الكتاب وتوثيقه ، ويتناول فيه :
أ- وصف حجم الكتاب هل هو من النوع الكبير أو المتوسط أو الصغير ، ويعتمد البعض قياس الطول والعرض .
ب- عدد صفحاته .
ج- عدد طبعاته مع الإشارة إلى الطبعة الأخيرة، وتعيين الطبعة المعتمدة.
د- ذكر مكان الطبع ، ونعني به البلد الذي طبع فيه الكتاب.
ه- ذ كر إسم المؤسسة التي تولت طبعه.
و- السنة التي طبع فيها الكتاب ، ومن الأفضل أن تكون بالتقويمين الميلادي والهجري.
ثالثا :خطة الكتاب ، أي بيان الخطة المنهجية والتصميم العام للكتاب كما وضعه المؤلف، من ذكر للأبواب والفصول والمباحث والمطالب والفروع …إلخ ، ويُستحسن نثره عوض عرضه على شكل فهرس عام للموضوعات.
رابعا : عرض مضامين الكتاب ، وهذه الفقرة هي أهم ما في التقديم والاختصار، إذ على الطالب الباحث أن يوليها عناية فائقة ، ويتطلب هذا القيام بما يلي :
أ- القيام بقراءة كلية ومركزة للكتاب .
ب- إذا كان الكتاب مكسورا على الأبواب يُؤخذ كل باب على حدة ، يقدم المختصر وصفا للباب بذكر عنوانه أولا ، وما اندرج تحته من فصول، وما اندرج تحت الفصول من مباحث وهكذا .
ج- يشرع بعد ذلك في تقديم مختصر للباب.
خامسا : تقويم الكتاب ، وذلك من النواحي الآتية :
1- اللغة والأسلوب :
أ- من حيث اليسروعدمه ، أو السهولة وعدمها ، هل أسلوبه سهل أم صعب ؟…
ب- من حيث التخصص ، هل أسلوبه أسلوب فقهي أم أصولي أم أدبي أم فكري فلسفي ..
ج- من حيث الأفكار ، هل الأفكار واضحة أم غامضة ، هل هي مبسطة أم مركبة ؟
د- من حيث الأخطاء ، هل توجد في الكتاب أخطاء نحوية أو أسلوبية او مطبعية …
2- المصادر والمراجع المعتمدة ، وذلك من النواحي الآتية :
أ- عددها على الإجمال، وقياسها على عدد صفحات الكتاب.
ب- نوعها من حيث الفنون العلمية إذا كانت كثيرة ، وما هي هذه الأنواع ، وما الذي يغلب منها … ، هذا إذا وُجدت في الكتاب فهرسة للموضوعات، إذا لم توجد يستحسن التماسها في هوامش الصفحات.
3- الشواهد القرآنية والحديثية :وذلك من النواحي الآتية :
أ- الشواهد القرآنية : عدد الشواهد على الإجمال ، وسلامتها من الأخطاء ، سلامة توظيفها ، نوع القراءة المعتمدة ….
ب- الشواهد الحديثية : عددها على الإجمال ، حسن تخريجها من مصادرها ، سلامتها من الضعف والوضع ، حسن توظيفها في الموضوع…
4- الفهارس العامة في الكتاب :
و تأتي في المقدمة الفهارس الضرورية مثل :
أ – فهرسة المصادر والمراجع ، كيف رُتبت ؟ وما هو معيار الترتيب ؟ هل هو المعيار الزماني ، أو المعجمي ، أو حسب الأهمية ؟ وهل بدأ المصنف باسم المؤلف أم بعنوان الكتاب ؟…
ب- فهرسة للموضوعات ، ونعني به التصميم الكلي للكتاب ، هل التصميم فيه تنسيق بين الأبواب والفصول ، هل يوجد تناسب بين فصول الكتاب ومباحثه ؟ هل راعى المؤلف عنصر الإنسجام بين الفروع والمطالب والنقط ؟ هل يوجد توازن بين الأبواب والفصول ؟ إلخ.
وتليها الفهارس الحاجية مثل :
ج- فهرسة للآيات القرآنية ، كيف رُتبت وبأي معيار ؟….
د – فهرسة للأحاديث النبوية : هل اقتصر فيها على المرفوع أم تضمنت الفهرسة حتى الأحاديث الموقوفة وآثار التابعين ؟ بأي معيار رُتبت ؟…
ملحوظة : هذه الفهارس – فهرسة الآيات والأحاديث – يمكن أن تكون من صنف الفهارس الضروريةن ويمكن ان تكون من صنف الفهارس الحاجية ن والمعيار في التمييز طبيعة الموضوع ، وذكرها في هذا الترتيب لا يعني تأخيرها ، لكنها إذا اعتمدت تأخذ الصدارة من بين الفهارس ، وستأتي الإشارة إلى ذلك.
وتليها الفهارس التحسينية ، مثل :
ه- فهرسة للأعلام ، ونعني بهم الأعلام المذكورة في الكتاب ، وذلك من حيث حسن الترتيب وسلامة عرض أسمائهم وأنسابهم وكناهم وألقابهم وأصولهم من التصحيف الذي يعتري أسماء الأعلام في الغالب.
و- فهرسة للأماكن ، إن وُجد هذا النوع من الفهرسة يحقق فيها أيضا .
ز- فهرسة للأشعار : وهذا يكون في كتب اللغة والأدب ، إن وُجد يُحقق فيه أيضا من الوجوه التي تمت الإشارة إليها.
ح- فهرسة للمصطلحات الفنية ، وهذا النوع من الفهارس يكون مطلوبا في بعض الدراسات والأبحاث تيسيرا على القراء والباحثين ، ويجب التأكد من هوية المصطلح هل هو مصطلح فعلا ؟ وهل له صلة بالفن الذي يعالجه الكتاب ؟ ثم طريقة التصنيف والعرض ؟…
5- التقويم العام :
هذه مساحة يأخذها صاحب المختصر لنفسه ، فقد صاحبَ الكتابَ وقلَّب صفحاته ، وعرض ما فيه من معارف وأفكار، ولا شك في أن هذه المصاحبة تترك بصماتها على الفكر والوجدان مما يولد للمختصر انطباعات معينة على شكل استدراكات أو تعقيبات أو انتقادات أو ما شاكل هذا ، يوردها مختصرة من دون أن ينسى الملاحظات المنهجية المتعلقة بعملية التقديم أو الاختصار، من مثل :
– هل الكتاب خال من الفهارس أم يوجد فيه بعضها فقط ؟
– هل التزم المصنف بوضع الفهارس في أماكنها مرتبة أم خالف النهج ، تبدأ الفهارس بفهرسة الآيات القرآنية ثم الأحاديث النبوية ، وتنتهي بفهرسة للمصادر والمراجع ثم فهرسة لموضوعات البحث.
– هل تتطابق أرقام الإشارة إلى الصفحات في الفهارس مع الأرقام الموجودة في الكتاب ؟
– هل تتطابق عناوين الأبواب والفصول والمباحث والمطالب المذكورة في الفهرس العام للموضوعات مع نظيرتها الموجودة في الكتاب؟
– هل المقدمة تتطابق مع محتويات الكتاب وإشكالاته العامة ؟، وهل الخاتمة تعكس ما تم عرضه ؟ ن وهل توصياتها هي توصية علمية ودالة ؟.
– ما الجديد الذي يحمله الكتاب ؟، هل ينفع في معالجة قضايا المجتمع والواقع؟، وقضايا المنهج والمعرفة المتعلقة بوضع العلوم والمعارف الإسلامية التي تتوقف عليها عملية سيرورة الحياة ؟ أم هو سفر في رحلة الزمن البعيدة ؟ .
ملحوظة : شُرحت هذه الورقة ، وتم تطبيقها على بعض الكتب العلمية المنتخبة في العروض والبحوث الجامعية، والغرض منها هو أن يرتبط الطالب بكتاب يختاره في التخصص الذي عنده فيه خصاص معرفي ، أو يريد أن يعمق فيه تخصصه وميوله العلمي.
جزاك الله خيرا الدكتور محمد خروبات على هذه المعلومات القيمة ..وعلى مجهودك المحترم والأرقى …لك مني أجمل التحيات
جعل الله عملكم هذا في ميزان حسناتكم.