التاريخ والأدب, علوم القرآن والتفسير

نظرات علمية ومنهجية من خلال كتاب ” النحو والتنفسير : أصول نظرية ونماذج تطبيقية ” للدكتور مصطفى أبوحازم . إنجاز د .محمد خروبات

نظرات علمية ومنهجية من خلال كتاب ” النحو والتنفسير : أصول نظرية ونماذج تطبيقية ” للدكتور مصطفى أبوحازم [1].

إنجاز د محمد خروبات

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :

فيسعدني أن أشارك هذه الكوكبة من الباحثين في قراءة هذا الكتاب ، شاكرين لمنظمي هذا الملتقى جهدهم وسعيهم في خدمة العلم والمعرفة .

بادئ ذي بدئ أقول بأنني أمام عمل علمي سمين ، سمن بفعل التأني والتوءدة ، وهو يعطي درسا للكتابات المستعجلة والتي يجب أن تدخل إلى قسم المستعجلات لكثرة الخروم والكسور والتشوه الذي تنطوي عليه ، إنتاج يظهر عليه تعب السنين ، وهو عمل ليس كل من هب ودب يتذوقه ، لا يتذوقه إلا من صفت سليقته واستبان في العلم فهمه .

هذه المحاولة تنفض الغبار على علم أصيل ، أصبح اليوم للأسف يُتجاوز ويُعتدى عليه ، يُتجاوز بمزاحمته بغيره من العلوم البرانية ، ويُعتدى عليه باللحن والخطأ المتفشي في اللغة العربية ، كل من تكلم العربية فأخطأ فيها ولحن فقد اعتدى على النحو العربي ، ولا أتكلم هنا عن محاربة اللغة العربية بنحوها وصرفها وبلاغتها وقرآنها …

يُعتدى على النحو مع العلم أنه علم تجريبي ، تطبيقي ، جاء هذا الكتاب ليلفت الإنتباه إلى هذه القضية ، لكن بصيغة علمية ومنهجية.

أراد المؤلف من هذا الموضوع في هذا الكتاب أن ينبه إلى ” العلاقة ” الموجودة بين النحو والقرآن ، هذه العلاقة هي علاقة اتحاد ، اتحاد في كل شيئ ، لأن القرآن لما نزل نزل به ، فالقرآن نزل بالنحو المضمن في القرآن بالرتق  قبل الفتق ، قبل الإنفجار العظيم ، انفجار العلوم من شمس القرآن، من هنا جاءت ” الشواهد القرآنية ” عند سيبويه وغير سيبويه ، وإلا فما معنى ” الشاهد ” ؟

وحتى هذا الشاهد له دلالته في سياق تحدي القرآن للعرب للإتيان بمثله على ما هم عليه من معرفة للنحو العربي ، وحتى نظرية “الإعجاز بالصرفة” التي ذهب إليها النظام تبقى لا معنى لها في سياق التحدي ، فالله تعالى لم يصرف العرب عن الإتيان بمثله ، بمعنى لم يسلبهم القدرة على الإتيان بمثله لأنه لو سلبهم القدرة لما بقي للتحدي معنى ، ولذلك نقد الباقلاني وغيره نظرية الصرفة ، وفي هذا السياق نقول إن القرآن تحدى العرب على الإتيان بمثله وهم على حالهم من المعرفة بالنحو العربي الذي هو سليقة وجبلة قبل أن يكون صناعة ، ويبقى التحدي أكثر جسامة وأبلغ في التأثير عبر الزمن لأن النحو استقر في الصنعة.

ولما كان للنحو العربي أثر كبير في النص القرآني – وهو أثر كمون – امتد في العلوم الأخرى التي متحت من القرآن الكريم مثل القراءات القرآنية والتفسير والإعجاز…

السؤال المطروح : هل وضعية النحو العربي وضعية شفاهية صوتية أم وضعية كتابة نصية ؟

وضعه الحالي هو كتابة نصية ، والتطبيق هنا مزدوج الوجود : إما استفادة القواعد النحوية من آي القرآن ، وهذه تخدم النحو بشواهد القرآن ، وإما ببيان معاني الآيات بفعل النحو وهذه تخدم التفسير بالنحو العربي ، وكلاهما من التطبيقات ، وهذا يبين أن النحو العربي كان ضمن الوحي الموحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن هو وحي بكل ما فيه لغة ونحوا ، وهذا كله كان شفاها ، وهذا يتماشى مع سليقة العرب : “يا أبت أدرك فاها، لقد غلبني فوها ، لا طاقة لي بفيها”.

إن اتخاذ معرفة النحو شرطا من شروط المفسر له دلالته هنا ، وقد غلظ المحدثون في ذلك ومنهم الأصمعي اللغوي والمحدث حين قال :” إذا حدث المحدث وهو غير عالم بالنحو فهو كالحمار عليه مخلاة شعير “، وهو وصف غليظ ونعت شديد على النفس ، وله ما يبرره لان الجاهل بالنحو يمكنه ان يلحن في الوحي ومن لحن فهو كمن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كذب عليه بهذه الصفة دخل في الوعيد الغليظ ” من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ” ، إذا كان هذا في كلام النبي فكيف بكلام الله تعالى ، والكذب على الله اشد لقوله : ”  ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين “.

السؤال الآخر : هل القرآن تقوى بالنحو أم أن النحو هو الذي تقوى بالقرآن؟

جوابه في حديث الصحابي الجليل عياض بن حمار عند الإمام مسلم ، وفي حدث البعثة المحمدية ، وهو أمر يحتاج منا إلى شرح طويل.

لقد تكلم الباحث المؤلف عن المرويات في التفسير، وقد صدق فإن مدار التفسير على المرويات ، المرويات من السنة في تفسير السنة للقرآن ، ومرويات من تفسير الصحابة والتابعين ، وهو ما يطلق عليه التفسير بالمأثور، لكن النحو هو نفسه مع اللغة خضعا للرواية ، العربية رواية يأخذها الآخر عن الأول ، وهي كلها من العلوم النقلية التي نعمل فيها العقل بالتحليل والشرح والبيان والتفكيك ، والرواية في اللغة تخضع للسند ، وقد شمل اللغة ما شمل السنة والقرآن من الجمع والكتابة والتدوين ، وفيها السماع والسماع من أرقى درجات التحمل، ولذلك أقول للدكتور مصطفى أبوحازم إن هذا الكتاب حاليا هو أعزب لا بد من تزويجه بعمل آخر يكون عنوانه ” النحو والحديث أو السنة أصول نظرية ونماذج تطبيقية ” ، وأنا أدعو الأستاذ للقيام بذلك لأنه يمتلك أدوات كل ذلك .

يقولون من صاحب الفحول تفحل لقد صاحب الأستاذ مصطفى أبوحازم سيبويه ردحا من الزمن ، وتأثير سيبويه عليه ظاهر جدا .

لقد جمع الكتاب بين تخصصين من التخصصات الجامعية : الدراسات اللغوية والدراسات الإسلامية ، وهذه الصلة غير مفتعلة لأنها موجودة بين العلوم تحتاج من يتذوقها ويكشف عنها ن وهذه المحاولة هي بادرة طيبة نحو بحث تكامل العلوم والمعارف .

وقبل أن أختم كلامي أشيد بهذا الكتاب من النواحي الآتية :

أولا : الموضوع من جهة الإعتبارات السابقة.

ثانيا: بالمنهجية المتبعة في بحث الموضوع ، فالكتاب يقدم منهجية في البحث قبل المعارف .

ثالثا: باللغة وبالأسلوب المسلوك في البحث ، ومن يمتلك لغة البحث العلمي لا تخاف عليه في أي بحث.

رابعا : بالتساؤلات العلمية ، وهي مهمة جدا ، انظر ص 70 من الكتاب.

خامسا : أشيد هنا بالحدس العلمي للمؤلف ، وهو كثير جدا. انظر مثلا ص 119.

سادسا: أشيد بتوليد المصطلحات ، حين يصل الباحث إلى التوليد هذا يعني انه أصبح في مرتبة عليا أقواها التحكم في المادة العلمية ، انظر مثلا الصفحات : 102-103-71-72-…

سابعا : أتوقف مع الكاتب حول بعض القضايا المهمة ، مثلا في الصفحة 47- 72-73-120- حيث تمت مناقشة صاحب الكتاب حول قضايا منهجية وعلمية…..

………………………………………………………………….

[1] – أنجزت هذه القراءة بمناسبة الإحتفاء بكتاب ” النحو والتفسير : أصول نظرية ومعالم تطبيقية ” للدكتور مصطفى أبوحازم ، نظم الملتقى مختبر الترجمة وتكامل المعارف بالتعاون مع ماستر اللغة والنص وماستر البيان العربي بكلية الآداب بمراكش بتاريخ 03/12/2016م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *