خصائص (المقارنة) في البحث العلمي
أعدها للطلبة أ. د. محمد خروبات
……………………….
بسم الله الرحمن الرحيم ، وبعد ،
فقد أوحت إلي بعض رسائل الدكتوراه التي فحصتها وناقشتها ببعض الملاحظات حول ” خصائص المقارنة في البحث العلمي” أقدمها للطلبة الباحثين ، لعل الله ينفع بها .
يحلو لبعض الطلبة الباحثين أن يضعوا كلمة “مقارنة” في عناوين أبحاثهم ، حين قمنا بفحصها أدركنا أن ” المقارنة ” لا وجود لها على الحقيقة ، وحين تغيب خصائص المقارنة يبقى شكلها وصورتها ، وقد تغيب المقارنة وتحضر “المُقارفة” ، والمقارفة من القرف ،والقرف القشور[1]،وهو تعبير عن أن البحث سطحي لا عمق فيه ، وهو فساد في البحث كما لا يخفى ، ولربما تُستخدم “المقارنة الصورية ” للفساد في العلم ، وهو ما لا نريده .
هذا ما تدل عليه ” المقارنة ” لغةً ، فالمقارنة من ” قرن” ، ويطلق القرن على موضعٍ برأس الثور أو الكبش أو التيس ، مفرده قرون ، والقِران : الجمع ، وعقْدُ القِران يؤخذ من هذا ، فكأنه أخذ بالقرنين فشدَّ عليهما ، ويفترض في القيام بالعملية التعاصر ، فلا يستقيم عقد قران رجل من قرن بامرأة من زمن آخر ، ومنه القرين وهو الأسير لشد وثاقه ، لقوله تعالى ( وآخرين مقرنين في الاصفاد) ، فكذلك المقارنة ، فهي تقتضي التعاصر والتقارب في الزمن ، ويطلق على القرن الزمن ، وهو مفهومه لغةً أيضا ، ومنه “الاقتران” ،وهو المقدار الذي يقترن به أهل زمن معين في أعمارهم وأحوالهم ، ولذلك قالوا : القرن مائة سنة ، والقرن هو رأس المائة[2] ،
إذا أحسنّا الظن بالباحثين فإننا نوكل الفعل إلى عدم المعرفة ، لهذه الأسباب بسطنا هذه الخصائص لعلها تنير الطريق وتسهل عملية المقارنة .
من خصائص المقارنة ما يلي:
1- وحدة الموضوع العام ، وهو “المجال” ، فقد يكون المجال العام في الفقه أو الأصول أو الحديث او العقيدة او التاريخ أو الفلسفة أو علم الكلام إلخ ، فلا مقارنة بين أعمال لا يربط بينها تخصص واحد ، المقارنة بين عمل في التاريخ وآخر في القراءات هو مُقارفة ومُجازفة.
2- وحدة الموضوع الخاص داخل حقل علمي واحد ، فالانطلاق من قضية جزئية في التخصص الواحد تُضفي على المقارنة طابع التحقيق والتدقيق ، تُبعد عن العموميات والكلام المجرد، فلا يلزم من ” دراسة مقارنة ” في الفقه الإسلامي أن تكون من ” الفقه المقارن ” ، الفقه المقارن شيء والدراسة المقارنة شيء آخر ، وإلا أخذنا من الفقه المقارن ووضعنا في الدراسة المقارنة ، وهذا لا يستقيم علما ولا منهجا .
3- وحدة الزمن بحيث تكون أطراف المقارنة بينها تعاصر أو تقارب في الزمن ، فلا تستقيم مقارنة بين عَلَمين أحدهما في القرن الثاني والآخر في القرن العاشر ، أو أحدهما من الغرب والآخر من الشرق ، فوحدة الزمن تجعل المقارنة الفقهية أو الأصولية أو الحديثية مثلا دالة وخصبة ، والسبب يكمن في اتحاد الأطراف في فقه الوقت، وعلم الوقت ، ومستجدات العصر ، وثقافة الوقت .
4- تحديد أطراف المقارنة بين عَلَمَين بينهما ملابسة ما ، وقد تكون بين كتابين أو نظريتين أو شرطين أو قاعدتين أو منهجين أو مصطلحين إلخ ، ولكل حالة من هذه الحالات خصوصيتها ، فالمقارنة بين عَلَمَين ليست كالمقارنة بين قاعدتين أو نظريتين .
5- تحديد موضوع المقارنة في قضية مختلف فيها ، توجد فيها اجتهادات متباينة ترجع بالفائدة على العلم والعمل ، ولا تكون دراسة مغرقة في الماضي ، لقد حضيت الوقائع والعصور القديمة بدراستين : الأولى قام بها العلماء المتقدمون ، فابن حزم مثلا خدم واقعه ، وكذلك فعل السيوطي وابن العربي والغزالي وابن رشد ، والثانية يقوم بها باحثو(نا) المحدثون ، حين يأخذون تلك المعارف ويكررونها في واقعهم ، وينسى هؤلاء أنهم يعيشون في واقع غير واقع القدامى ، فنقل الكلام وتكراره يجعلهم يخدمون واقعا مضى ، ومن هنا فإن الوقائع الماضية تحظى بدراستين : دراسة علماء ذلك الوقت ، ودراسة علماء هذا الوقت . وحتى مقولة ” المتفق عليه ” أو ” المختلف فيه” إنما تقتضي التعاصر ، وقرب العلماء بعضهم من بعض وذلك في النظر إلى القضايا المصيرية للأمة في عصرهم ، فما هو متفق عليه سيبقى كذلك ، وما هو مختلف فيه سيبقى كذلك ، ولا يمكن للمتأخر زمانا أن يغير المتفق عليه إلى مختلف فيه والعكس ، فلينظر أهل العصر إلى مستجدات عصرهم .
6- تقتضي المقارنة طرفا ثالثا ، هذا الطرف هو الطرف المُقارِن – بكسر الراء- ، وهو الباحث ، وهذا من الخصائص ، فلا تقتضي المقارنة حضور الأطراف وغياب المقارن ، يجب أن يكون حاضرا في البحث بقوة : يُقوم ، ويُوجه ، وينقد ويصوِّب وإلا كان البحث رُكاما من الكلام بعضه فوق بعض.
7- من الخصائص المنهجية في الدراسة المقارنة ” التطبيقات” ، لا دراسة مقارنة من دون تطبيقات يقيمها الباحث وينطلق منها ، “التطبيقات” تقلل من المصادر والمراجع ، فلا يأخذ المقارن منها سوى كتب اللغة والمنهج والقواعد ، لكن إذا غابت التطبيقات كثرت النقول ، وإذا كثرت النقول تعددت المصادر والمصادر.
8- تحديد سبب المقارنة ودوافعها ، وهذا يذكر في المقدمة بكل وضوح ، لأن تحديد السبب يعين على الوصول إلى النتيجة بسلام .
9- تحديد الهدف والقصد من المقارنة ، وهي خاصية أساسية ، مثل السابقة ، تذكر في المقدمة أيضا ، وتُحدَّد بوضوح وإلا كان البحث عبثا.
10- تعيين الدراسات السابقة ، وذكر من سبق إلى هذا الموضوع ، ومن تكلم فيه ، وما الجديد الذي ستضيفه هذه الدراسة ، تُذكر في المقدمة ، وتُحدد بدقة ، وإذا ذُكِرتْ يُعلق الباحث عليها تعليقا علميا .
11- من خصائص المقارنة التحلي بروح العلم والإنصاف ، والبعد عن الغلو والتطرف ، ونبذ التعصب للمذهبية والطائفية والعرقية إلخ ، وهذا من أخلاق وآداب العلماء التي يجب التحلي بها في المقارنة وفي غيرها ، لكنها هنا أوجب وأوكد .
…………………………………………..
[1]– ينظر لسان العرب لابن منظور ، مادة ( قرف) ، 11/125 وما بعدها.
[2]– لسان العرب لابن منظور ، مادة ( قرن) ، 11/(135-144).
جزاكم الله خيرا استاذي على هذه المبادرة القيم نسأل الله عز وجا ان ينير سبيلكم ان شاء الله
نفع الله بكم
جزاك الله خيرا أستاذ
بارك الله فيكم
أحسن الله إليكم أستاذنا الفاضل، أوجزتم وأفدتم، بارك الله في علمكم.
بارك الله فيكم
جزاكم الله خيرا أستاذنا الكريم ، نسأل الله عز وجل أن يحفظكم ويمتعكم بالصحة والعافية.
بارك الله فيكم