1- لماذا هذا الموضوع ؟
أصبح هذا الموضوع ظاهرة لافتة للإنتباه، وأصبحت مواقفنا من مثل هذه الظواهر تتسم بعدم الرضا ، حين تظهر الأزمة وتتكرر المأساة آنذاك نتناولها بالبحث المحتشم الذي لا يخلو من سلبية الإنفعال والردود بالصخب والضوضاء والضجيج، وفي وسط هذا كله يغيب القصد وتنتفي الموضوعية العلمية التي من أساسياتها مصاحبة الظاهرة من نشأتها والقيام بدراسات علمية استباقية تكشف السلبي والإيجابي فتفعل الإيجابيات وتطوق السلبيات في محاولة للتقليل من فعلها في مجتمعنا المعاصر.
نحن اليوم أمام ظاهرة من هذا النوع يثار الكلام حولها بحدة كما لو أنها ولدت البارحة ، ظاهرة ( الطفولة وعالم الأنترنت)، وهي ظاهرة – كما ترى- مادتها الأولى:( الطفل) ، والثانية: ( عالم الأنترنت)، وقد نلتمس عزاء التأخر في تناول الموضوع من جهة الخضوع إلى التجربة، فقد تدخل الأنترنت إلى عالم الإنسان باسم التطور التكنولوجي والعلمي في محاولة لكسب تواصل أفضل ومعرفة جيدة، لكن الإثارات العلمية التي بدأت تتم تحت ضغط شكاوى الآباء والمربين أبانت على أن الظاهرة أصبحت غير طبيعية ، وأن تعامل أطفالنا مع الأنترنت بدأت تكتنفه أزمة حقيقية .
آن الأوان لنكشف عن عيوب أبحاثنا ودراساتنا، وآن الأوان لنقر بذلك ونعترف به ، إن المساحة الشاسعة في ساحة المد الثقافي تهتم بالكبار فقط ذكورا وإناثا ، فقد طغت الذاتية الذكورية للكبار على الثقافة السائدة، والباقي خصص للمرأة، وإذا أردنا أن نجمل ذلك قلنا : إن ثقافتنا المعاصرة تمركزت حول ( الكبار)، ونسينا ( الصغار) ، وها نحن اليوم نثير موضوعا خلقنا نحن أسبابه، أوجدنا لهم عالما بدأنا اليوم نحاسبهم عليه، ثم حين نتكلم عنه فعلى انفراد ، يدور الحوار بين الكبار في غياب الصغار، إن للصغار عالمهم الخاص هو غير عالم الكبار، وعلى الكبار أن ينزلوا ويتنازلوا تواضعا ،ويصغوا جيدا لاستفساراتهم وتساؤلاتهم ، وإذا أقيم ملتقى علمي يخصهم- مثل هذا الملتقى الذي نحن بصدده – فعليهم أن يأخذوا الكلمة ليعربوا عن أحاسيسهم ومشاعرهم، ولذلك آثرنا أن يكون لقاءنا هذا لقاء تحسيسيا تواصليا الهدف منه تقديم الظاهرة بصفة عامة وبيان خطوطها العريضة، نرجو أن يتلوه لقاء تكويني تنتقى فيه موضوعات محددة بقصد الترشيد والتوجيه.
2- تساؤلات مشروعة:
مثلما أن التقدم بالسؤال من قبل الآباء حق مشروع فكذلك للطفل الحق في ذلك ، فعند النظر في تساؤلات الآباء والمربين يتضح أنهم يخوضون معركة حقيقية إنها معركة الأطفال ، لا نتكلم عن ظاهرة اختطاف الأطفال وسرقتهم واغتصابهم والزج بهم في ميادين لا تتناسب مع أعمارهم ولكن نتكلم عن ظاهرة استلابهم وسلهم من بين أحضان آبائهم، وقد أحس الآباء أن أبناءهم أصبحوا بعيدين عن قرب، وأن الهوة بينهم بدأت تتسع بفعل فقد السيطرة التربوية عليهم، وبدأوا يتساءلون:
هل شبكة الأنترنت ضرورية للطفل أم هي حاجية أو تحسينية؟ وإذا تبين ضررها فبماذا نعوضها؟ وكيف يمكننا أن نكون أجيالا لها صلة بعالم المعرفة؟ وإذا كانت الشبكة محظورة على الأطفال إلى حين يكبرون ففي أي سن تتوقف عملية الطفولة؟ وهل يمكن للأنترنت أن يعوض دور الآباء والمربين في التعليم والتلقين والتربية والتوجيه؟ وإذا عوضت هل يمكنها أن تمنحهم عنصر المحبة والعطف والحنان ؟ …
ويقابلك الأطفال بسيل من الأسئلة التي تدل على أن معركة أخرى يعيشها الأطفال مع أنفسهم ومع آبائهم سببها الأول الأنترنت، يتساءلون عن هذه الحراسة المشددة في حقهم لماذا؟ فيطالب بعضهم بحقهم في الحرية والتعبير واتخاذ الأصدقاء كباقي أطفال العالم، لماذا يحرمون من التعامل مع شبكة الأنترنت ويتعاطاها الكبار؟ لماذا هذا الموقع حرام على الصغار حلال على الكبار؟ …
تبدو هذه الأسئلة كلها مشروعة ، ومثلما أن الكبار يكدون ويجتهدون في تحصيل الأجوبة لإقناع أنفسهم فعليهم في الوقت نفسه إقناع أبنائهم بأجوبة معقولة وحقيقية، وفضاء البيت يمكنه أن يتسع -على ضيقه- لندوة عائلية يشارك فيها بعض المهتمين يكون موضوعها : أطفال البيت والأجهزة الإلكترونية الموجودة فيه بما فيها الشبكة العنكبوتية، ولا شك أن الأجوبة تدور مع الحوار مثلما تدور الأسئلة.
3– نظريات ونسبية الأحكام:
تختلف النظريات حول طريقة تعامل الأطفال إلى ثلاثة اتجاهات:
الأول يرى أن تعامل الأطفال مع الشبكة يجب أن يكون مفتوحا، ولا يتقيد في ذلك بسن معين، لأنه لا وجود لسن قانوني أو أخلاقي أو ديني يمنع الطفل أو يحد من إقباله على الشبكة ، ثم لا يوجد ما يمنع من قضاء وقت طويل أمام الشبكة بدعوى أنه يمكن أن يقضي وقتا طويلا في قراءة الكتب أو اللعب…
الثاني يطالب بتحديد سن معين لذلك ، ووضع استعمال زمن صارم لعنصر التعامل حتى لا يكون تعامل الطفل مع شبكة الأنترنت على حساب واجباته المدرسية ، وعلى حساب صحته وتربيته وقيمه..ويتم كل ذلك تحت مراقبة الآباء وتوجيهات الأولياء.
الثالث يذهب إلى حد منع الطفل مطلقا من التعامل مع شبكة الأنترنت ، وهو توجه يمارس أسلوبين كلاهما مر، الأول يتمثل في إبعاد الطفل ومحاولة شحن دماغه بسلبيات الأنترنت، والثاني يتمثل في إبعاد الأنترنت عنه، وهذا الاتجاه هو الاتجاه الذي يخلو بيته من إدخال الشبكة والتعامل مع بعض الأجهزة الإلكترونية الموازية هذا مع توفر القدرة على ذلك، والمبرر في ذلك هو الأخذ بالقاعدة الأصولية ( سد الذريعة) ، غير أنه إن استهدى إلى غلقها فيما لا ينفع فإنه سدها فيما ينفع.
تقع بين أيدينا – في بعض الأحيان- دراسات علمية ومحاولات في بحث الموضوع غير أن العينات التي تقدم إلينا تنتمي إلى غير عالمنا وغير بيئتنا، فتطبق الدراسة على أطفال من بلجيكا أو فرنسا أو أمريكا ، ثم تؤخذ نتائجها ويزج بها في ثقافة عالمنا الإسلامي ، بحيث يراد لها أن تطبق كنتائج تمت بالبحث العلمي ، والواقع أن مثل هذه الأبحاث يسترشد بها ، وتؤخذ بعين الإعتبار لا بعين الإحتكام، وبالقدر الذي نشجع تلك البلدان على تقديم دراسات علمية وجادة بعيدة عن التسويق والتزويق بقدر ما يجب أن نقيم دراسات علمية محلية تعنى بشؤون أطفالنا في العالم الإسلامي، فوضعية الطفل في العالم الإسلامي هي غير وضعيته في أوربا أو أمريكا ، ثم إن وضعية الطفل في جهة من العالم الإسلامي ليست نفسها في جهة أخرى،فالعينات التي تختار للدراسة يجب أن تكون من المجتمع المراد تطبيق الدراسة عليه، ثم يجب أن تمثل كل شرائح المجتمع غنية وفقيرة ومتوسطة، مهنية وحرفية، بدوية وقروية…
صحيح أن أطفالنا هم جزء من أطفال العالم، لكن كل عالم يفكر في حماية أطفاله بطريقته، ووفق خصوصيته.
تبقى نسبية الأحكام في هذا الموضوع مطروحة، فحالات الأطفال مع الأنترنت تختلف من طفل لآخر، ومن أسرة لأخرى، لذلك يتوجب النظر في كل حالة على حدة:
- هناك حالات يؤثر عليها الأنترنت صحيا وأخرى لا يؤثر عليها .
- هناك حالات تبدو أكثر نجاعة ولطافة وأكثر اجتهاد ومردودية حين تتعامل مع الشبكة، وهي بخلاف الحالات التي يزيدها التعامل تكاسلا وتقهقرا.
- حالات يسبب لها الأنترنت مشكلا أخلاقيا وعائليا وأخرى هي تحت السيطرة والتوجيه.
هذه الأمور كلها وغيرها كثير لا تتحصل إلا بالحوار المكثف والجريء مع الأطفال من جهة ومع آبائهم وأوليائهم من جهة أخرى، يكون هذا الحوار متبوعا بدراسة واسعة ومكثفة ودقيقة.
4– محاولة في تقويم الظاهرة سلبا وإيجابا
يمكن الجزم بأن نظرة مجمل الأطفال إلى الأنترنت نظرة إيجابية، فالأنترنت هو مجال فسيح يجد فيه الطفل ضالته، فهو ملجأ مريح للأسباب الآتية:
- العالم كله أمامه من دون حدود ولا قيود.
- يحاور أطفالا من مختلف الأجناس والأعمار ذكورا وإناثا.
- إرسال رسائل سريعة وتلقي أجوبة سريع أيضا.
- سيادة طابع التكتم والسرية في التعامل.
- السماع إلى كل اللغات والأصوات بما فيها الموسيقى والألحان.
- مشاهدة الأفلام من مختلف الأنواع.
- التسلية بألعاب كثيرة من مختلف الأنواع.
- قراءة القصص المتنوعة .
- الإعتماد على الذات في الإقبال على الأنترنت وعالمه .
- تنمية ثقافة الطفل في مختلف المجالات.
- الإستعانة به في الدروس والفروض المنزلية.
- الأستعانة به في مطالعة البرامج والمقررات الدراسية.
هكذا يرى الأطفال أن الأنترنت ضروري في حياتهم حتى صرح بعض الأطفال بأنهم لا يمكنهم العيش بدونه، أما الكبار فلا يرون غضاضة من تلبية حاجات أولادهم ، وإذا توجهت إليهم بالسؤال عن السبب الدافع لإدخال الأنترنت إلى البيت حصلت على ما يلي:
- إرضاء الأطفال ومجتمع البيت، فأمام الالحاح والطلبات يسعى الآباء إلى الاقتناء.
ب-ولوج عالم المعرفة، وهي فرصة يمنحها الأنترنت، ومعلوم أن الآباء مهووسون بتكوين أبنائهم معرفيا.
ج- طابع المنافسة الجارية بين الأسر والعوائل والجيران، والكلام عن الأنترنت أصبح هو خطاب الأطفال في الشارع، وأصبح يشكل ثقافة من النوع الضاغط.
قد يكون الإقبال على الأنترنت يخص الكبار مثلما يخص الصغار، فلم هذا الإستثناء ؟
الجواب أن الدراسات الاجتماعية تثبت أن الأطفال يتعاملون مع التكنولوجيا الحديثة أكثر من آبائهم ، فالآباء والأولياء متخلفون أمام أبنائهم من هذه الناحية، وإذا كانت هناك من ضرورة في الإقبال عليه فقد تكون في الإدارة أو في محلات السيبرcyber المنتشرة في كل مكان ، أما الذين حرموا أبناءهم من الأنترنت فقد فعلوا ذلك تحت تخوفات كثيرة ، وتضخمت رؤيتهم للسلبيات إلى درجة العجز ، فعند البعض أن الأنترنت هو وسيلة حرب ابتكره الغرب لتدمير المجتمع الإسلامي ، والمستهدف الأول منه هم الأطفال، ولذلك وجبت المقاومة، ويحاول البعض من الطائفة المانعة أن يبرر سلوكه هذا بكون الطفل يستعمل الأنترنت على حسابه الدراسي ومستقبله العلمي فالشبكة تجعله يعيش في أوهام حالمة، ثم إنه حين يقبل على الأنترنت ينكمش وينعزل ، ويظن أن هذا هو حقه الطبيعي لا يجب على أي أحد أن يشاركه فيه أو الدخول معه إليه، زد على هذا أن فطرة الطفل تتلطخ بفساد الذوق، فالشبكة تهجم على ذوقه وتحطمه، والذوق ليس في اللسان وحده بل في كل الحواس.
صحيح أن هناك تخوفات كثيرة ، لكنها تخوفات يجب أن تعقلن ، وليس بالمنع وحده يمكن المحافظة على الطفل والبيت، المحافظة يجب أن تكون بالوقاية والمصاحبة والمراقبة والتوجيه والتربية، ثم بتحديد الداء المتولد عن التعامل مع الشبكة، وبحثه ودراسته بمعزل مثل : الأنترنت والجنس، الأنترنت والعنف، الأنترنت والتأثير الصحي ، الأنترنت وضياع الوقت، الأنترنت والقلق النفسي، الأنترنت والعصيان والتمرد على الآباء والأسرة والمجتمع، الأنترنت والتخلف في الذكاء والعقل، الأنترنت واللعب والترفيه، الأنترنت ولغة التواصل…
وإذا كانت هناك من سلبيات مؤثرة على الطفل فيجب أن تحظى بالأسبقية في البحث والدرس ، ولنعكس الظاهرة السائدة في البحوث والدراسات أنها تنزل دائما على الإيجابيات في حين أن المطلوب هو بحث العكس.
نحاول في هذا المقال أن نلقي الضوء على بعض القضايا :
- حول قضية الإدمان:
تؤكد الدراسات أن الأطفال يشكلون نسبة كبيرة في المقبلين على شبكة الأنترنت ، بل تؤكد الدراسات أيضا أنهم أكثر استخداما للشبكة من آبائهم وأوليائهم، وهذا أمر طبيعي جدا فالطفل منذ المراحل الأولى في حياته وهو يكثر من الجلوس أمام التلفاز لمشاهدة الرسوم المتحركة، فبقدر ما يدمن على مشاهدة التلفاز فهو يدمن على اللعب في البيت أو في الشارع أو في المدرسة، وقد كثرت شكاوى الآباء والمربين من تفشي ظاهرة الإدمان على اللعب ، ومن هنا فسح المجال لشبكة الأنترنت التي وجدت هذه الظاهرة فاشية في سلوك الأطفال فزادت في الطين بلة، ولذلك فبالقدر الذي يجب أن نتكلم عن ظاهرة الإدمان الإلكتروني نتكلم عن ظاهرة الإدمان نفسها ، فهي تشكل ظاهرة مرضية سواء في الأكل أو الشرب أو اللباس أو القراءة لأن الشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده، وما هو في الواقع هو أكثر بكثير مما هو في الشبكة، فليست كل الألعاب ولا كل الكتب ولا كل مظاهر الإنحراف والشذوذ التي يشكو منها الآباء والأولياء هي في الشبكة، فالواقع هو المزود الأساس للشبكة، كل شيئ هو في الواقع أولا، ومن هنا فقبل أن نتساءل عن علاقة الطفل بالشبكة نتساءل عن علاقته بالواقع أولا، غير أن البعض لا يميل إلى هذا الطرح لأن المعوقات التي يفرضها الواقع على تحرك الطفل لا توجد في الشبكة ، فالطفل لا يمكنه أن يتحرك في الواقع بحرية لاعتبارات كثيرة منها عامل السن وعامل المستوى العلمي وعامل المكون الطبقي وعامل الجنس.. وهذه العوامل كلها تنتفى في الشبكة، ففي الأنترنت يمكنه أن يتحرك بدون حدود ولا قيود بمجرد فتح المواقع والضغط على الأزرار، وهذا كله لا يكلفه شيئا عضليا ولا ماديا.
يميل كثير من الباحثين إلى مناقشة قضية الإدمان من دون التعرض إلى أسبابه، والتعرض إلى الأسباب يتطلب استخلاصها مما يقدمه الأطفال أنفسهم حين نتوجه إليهم بالسؤال التالي : لماذا تدمن في التعامل مع شبكة الأنترنت؟ ويقر الكثير منهم على أن الإدمان هو ظاهرة غير طبيعية ، لكنهم دفعوا إليه قهرا لأن الأنترنت – في غيرالوقت الضروري- يعوض نواقص كثيرة، منها:
- الفراغ العاطفي ، فالطفل لا يجد الأبوين بجانبه ، وإذا وجد واحدا فقد الآخر ، وإذا حضرا لا يعوضان له الحنان المفقود ولا يمنحانه العطف الموجود ، فكأنهما عوضاه ذلك بشبكة الأنترنت والأجهزة الإلكترونية الحديثة.
- المشاكل الأسرية التي تحدث في وسط البيت بين الأم والأب، أو بين الأبوين وإخوته الكبار ، أو بين أفراد العائلة مثل العمات والخالات والجدات … لا يملك الطفل مع حالات الخصام والشجار الدائم إلا الانزواء والانطواء في عالم الشبكة لاعبا ومتسليا .
- المشاكل الصحية والنفسية ، فكثير من الأطفال لا تسعفهم ظروفهم الصحية في الانخراط مع زملائهم في اللعب والجري والتسلية في الهواء الطلق فيعوضون ذلك بعالم الأنترنت.
ب- الشبكة والوقت:
يجب على الكبار أن يرحموا الصغار في وقتهم، فوقتهم هو زمنهم، وزمانهم هو حياتهم ، وكل مرحلة من العمر هي ممتدة في الأخرى ، والمراحل اللاحقة متأثرة بالسابقة، ولا شك أن التعامل مع شبكة الأنترنت يمتص الوقت كله امتصاصا إلى درجة أن الإحساس بالوقت ينعدم لدى الطفل ، فلا يدرى متى انتهت الساعة الأولى ودخلت الثانية ، ومتى انتهت الثانية ودخل في الثالثة ، بل لايدري في بعض الأحيان متى انتهى النهار ودخل في الليل ، الإحساس بالوقت ينعدم ، فساعة حصة الرياضيات تصبح أثقل عليه من أربع ساعات أمام الأنترنت ، ومع نسبية الزمان يذوب وقت الطفل ويموت تماما كما قتل الكبير وقته في لعب الشطرنج ، أو مجالسة أصدقائه في مقاهي اللهو والمرح.
- الأنترنت والمشاهد الإباحية:
ودعت في الطفل حواس هي موجودة فيه بالفطرة، هذه الحواس تفعل فعلها فيه بسعيها نحو القيام بما لأجله وجدت، فالعين يجب أن ترى، والأذن يجب أن تسمع، واليد يجب أن تلمس والرجل يجب أن تمشي والأنف يجب أن يشم واللسان يجب أن يتذوق وهكذا، فلا مجال للشك إذن في أن وعي الأطفال يتشكل من المشاهد والرؤى والمسموعات والملموسات …
صحيح جدا أن شبكة الأنترنت هي مجال فسيح لجميع سكان الأرض، فمن حق الجميع أن يقبل عليها، وصحيح كذلك أنها وإن كانت من ابتكار العقل الغربي ومن إنجازاته فإن الإقبال عليها هو متاح للجميع بكل المقاييس لكن الملاحظ هو أن حضور إبداعات المسلمين فيه بالإنجاز و الابتكار ضعيف جدا أمام إنجازات العقل الغربي في مختلف الميادين وبكل اللغات، ومن هذا المنطلق فإن الكثير من هذه الإنجازات لا يتلاءم مع وضعية الطفل المسلم ولا يتماشى مع خصوصيته ، بل كثيرها يتعارض ويتناقض مع أخلاقه ومدخرات قيمه ، مما يدفع البعض إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الشبكة واعتبارها أداة تدمير لأذواق وأحاسيس ومشاعر وعواطف الطفولة البريئة.
إن أخطر شيىء هو أن يترك الكبار الصغار يتوجهون بمفردهم إلى المسلسلات والأفلام الكارطونية والألعاب ذات الحمولات الغير مرضية توقع الطفل فريسة شهوات مدمرة مثل شهوة الجنس وشهوة العنف وشهوة التملك وشهوة السيطرة وشهوة الضحك اللاأخلاقي مع تنمية روح التمرد والاستهزاء والعصيان…
- الأنترنت والمعرفة:
تؤكد مجمل الدراسات والأبحاث على إيجابية التعامل مع شبكة الأنترنت من الناحية ( المعرفية) ، وتصبح قضية ( المعرفة) هنا محورية في كلام يجعل من التعامل مع شبكة الأنترنت موضوعا له، هذا هو الحاضر، أما الغائب فهو تحديد مفهوم ( المعرفة) المراد جنيها من الشبكة والتي تخص الطفل بالأساس.
توفر الشبكة كمية هائلة من المعلومات بل نقول إن المعلومات تتدفق منها كالسيل الجارف، وهذا وإن كان إيجابيا من وجه فهو مزعج بالنسبة للاستعدادات العقلية للأطفال، فعقل الطفل لا يمكنه أن يستوعب هذا الكم الهائل من المعلومات، ومعلوم- تربويا- أن تحديد سن التمدرس مع انتقال الطفل من مستوى إلى آخر هو بحسب القدرات العقلية أولا والمعلومات التي تليق بذلك المستوى ثانيا، المعرفة بناء يتماشى مع فدرات الطفل وسنه، ولذلك مال بعض الباحثين إلى الكلام عن المراحل العمرية للطفل حين يكون له استعداد للتعامل مع الشبكة ومع المعلومات المتكررة والمتدفقة، ثم هل يستقيم تعليميا وتربويا أن نجعل من معلومات الشبكة بديلا للمعلومات العلمية والمعرفية التي يأخذها في المدرسة؟ أو أن يأخذ حريته كاملة في التعامل مع هاته وتلك ؟
لهذا يحلو لبعض الآباء والمربين أن يناقشوا سلبية وإيجابية الأنترنت بالنسبة للطفل في علاقتة هذه الأخيرة بالمدرسة، ولذلك فهم يبادرون بأسئلة من هذا النوع: كيف نوفق بين إقبال الطفل على الأنترنت من دون أن يؤثر عليه في القيام بواجباته المدرسية ؟ بل كيف نسخره لخدمة هذه الواجبات ؟ .
5- أبعاد هذه الهجمة على الأطفال:
لا أحد ينكر أن هناك أبعادا لهذه الهجمة الشرسة على أطفالنا في عالم اليوم، نحاول أن نحدد بعضها فيما يلي:
- أول هذه الأبعاد هو البعد الإقتصادي، مجمل الأفلام والمسلسلات هي للتسويق والتجارة ، لا يهمها أن يكون المحتوى مما يشكل ضررا على الأطفال بل المهم هو الإثارة لأجل الربح ، وقد انخرط الآباء في هذه المضاربة التي ذرت عليهم خسائر مادية كبيرة حين داوموا على إ رضاء رغبات أولادهم ، وهي رغبات دائمة ومسترسلة ،لم تنقطع لحظة واحدة ، والكثير منهم لا يهمه أن ينظر في أبعاد هذه الآفة بقدر ما يهمه إرضاء رغبات أطفاله.
ب- ثاني هذه الأبعاد هو البعد السياسي بحيث تسيطر نماذج فكرية معينة ، وفنية معينة ، وشخصيات ، وطقوس وأعراف ولغات كلها تتضمن حمولات غير بريئة ، فإن كان من براءتها أنها تمارس حقها في التعبير والوجود فإن سيطرتها بهذه الكيفية المسعورة ثثقل كاهل الطفل وتضعف من شخصيته وشخصية تراثه ودينه وعقيدته ناهيك أن البعض منها لا يخفي عداوته للخصوصية الإسلامية.
ج- ثالث هذه الأبعاد هو البعد الحضاري والثقافي والفني حيث تطل الحضارة الغربية ببريق مدنيتها وأساليب أهلها في العيش لتدغدغ أحلام طفولتنا البريئة ، وتمارس ضربا من التربية غير المباشرة للطفل وهو بين أحضان والديه،فلا نظن أن الطفل هو حالة جامدة أمام جهاز الكمبيوتر ، إنه يحس بكل ما يتراءى أمامه من صور ومشاهد ، فيتفاعل ويتأثر وإن شئت التأكد فراقب حركاته وهو أمام الشاشة حيث تجده يبتسم في بعض الأحيان ، وفي أحيان أخرى يضحك وقد يكثر من الضحك ، وفي بعض الأحيان عبوسا أو متأسفا أو متعجبا… وقد أحس الآباء والمربون بهذه المنافسة في تربية أولادهم فكثر صياحهم واشتدت احتجاجاتهم.
د- رابع هذه الأبعاد هو البعد الديني حيث تأخذ بعض الأفلام والألعاب والمسرحيات والقصص الموجهة للأطفال بعدا دينيا ، فهي توجه الأطفال نحو المسيحية أو اللائكية ، فتكسر لديه أحكام القيمة عن اليهودية والمسيحية وحتى الإلحاد والزندقة ومجمل مظاهر الشرك والكفر، فبسبب هذا البعد تجري عنده هذه الأمور في مجرى الألفة والعادة.
وما ذكرناه في هذا البعد لا يهم طفلنا في العالم الإسلامي وحده بل يهم كل أطفال العالم ، فلا بد من احترام خصوصية الطفل كيفما كان وأينما كان حتى لا يدخل الغيورون من أحرار العالم ومحبي الطفولة البريئة في أحكام أخلاقية وقيمية تدفعهم نحو استصدار أحكام قاسية في حق شبكة الأنترنت مع العلم أن المراد هو من يسخر الشبكة لذلك.
6- التربية ودورها في مكافحة الظاهرة:
حينما يثار الإشكال لا نحدد من المسؤول، إما أن نقول إنها مسؤولية الشبكة ، فهي وحدها تتحمل الوزر والتبعات بفعل ما تتضمنه من محتويات مدمرة لبراءة الطفولة ، أو نقول إنها مسؤولية الطفل فبفعل رغباته وتطلعاته وارتباطه المدمن بالشبكة جنى لنفسه هذه الويلات التي هي محط نقاش وكلام وبالتالي فالمسؤولية يتحملها وحده ، والبعض يقول إنها مسؤولية الجميع كعادة الذي يريد التهرب والخروج من الذنب يلقيها على الجميع من دون أن يكون هو المبادر وهكذا … والواقع أن للآباء والمربين دورا كبيرا في المسألة ، إنها قضية تربوية بالأساس .
و يحصر البعض التربية في الاعتناء بالطفل من جهة الأكل والشرب واللباس والتداوي والتمدرس وتوفير مجمل الحاجيات المادية فقط، نعتقد أن هذه عناصر مهمة في التربية لكن المفهوم الصحيح للتربية يبقى ناقصا ما لم نأخذ بعين الاعتبار المحيط العام للطفل ومنه : الشارع والمدرسة وعالم الأنترنت والمعلوميات .
للتربية جانب مهم في تكوين الطفل وتنشئته تنشئة سليمة، فهي أساس التوجيه ، وأساس التقويم ، وأساس التهذيب ، وأساس التكوين ، وأساس الإصلاح وباختصار هي أساس ( التنمية البشرية ).
إذا كانت التربية بهذه المواصفات الإيجابية كيف نساهم بها في حل هذه المعضلة ؟
نعي جيدا أن المشكلة لا تكمن في طرفي المعادلة : ” الأنترنت” و” الصغار” بقدر ما تكمن في طرف آخر غيب نفسه ، وهم “الكبار”، الكبار مكون أساس في المعادلة ، والمبرر في ذلك ما يلي :
أ – الشبكة هي آلة ، تضع فيها ما شئت وتزيل منها ما شئت ، تستخدمها ما شئت وتتركها ما شئت، الشبكة ليست فاعلة بحد ذاتها بقدر ما أن الإنسان هو الذي يتحكم فيها، إن الاستعمال السيء للأنترنت هو أساس الإشكال في القضية لا الأنترنت في حد ذاته.
ب – الطفل هو إنسان صغير ليس مسؤولا عن نفسه ، إنه رهن التكوين والنمو والتشكل بفعل التربية ، وفي الحديث الصحيح المشهورالذي رواه أبو هريرة وأخرجه البخاري : ( ما من مولودإلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) [1] .
من هذا المنطلق نحدد ما يجب القيام به تربويا في معالجة هذه الظاهرة فيما يلي:
- التربية بالقدوة:
لا يميل كثير من الآباء إلى الاعتراف بتقصيرهم تجاه الطفل من هذا الجانب حين يحملون الدولة أو الشارع أو المجتمع المدني أوالاستعمار أو الوزارة الوصية المسؤولية على هذا الموضوع مما يوقعهم في كل الداء ، أما الاعتراف بالتقصير فهو المقدمة السليمة للعلاج، الشبكة توجد في البيت والطفل يقضي مجمل أوقاته في البيت ، وكل ما يجب أن يقاوم به ضغوط الخارج إنما يجب التزود به من البيت بالأساس كما نص على ذلك حديث الفطرة المتقدم، وإذا كانت المسؤولية الأولى ترجع للآباء فهي ترجع إليهم من جهة الأسوة والقدوة ، فالأبناء يقلدون الآباء في كل شيء ، والسؤال المطروح هنا : ما درجة وعي الكبار بأهمية الأنترنت؟ وكيف يتعامل الكبار مع الشبكة ؟ هل بإفراط وإدمان أم بتفريط وإهمال أم بتوسط واعتدال؟ وهل يجيدون التعامل معها تعاملا تقنيا وعلميا؟ ماهي المواقع التي يقبلون عليها؟ وهل يشاركهم أولادهم في ذلك أم ينعزلون كما ينعزل الصغار؟
للكبار مسؤولية كبيرة على هذا النظام ، وهم مسؤولون عن صغارهم أيضا.
- مراعاة المقاصد والأهداف:
يربى الطفل لأهداف معينة ، ويوجه لمقاصد معينة لا أنه يربى ليعيش كما تعيش البهائم والحيوانات، الأهداف يجب أن تكون محددة ، والمقاصد يجب أن تكون معلومة ، والمقصد هو ما يجب التوجه إليه بحيث يصبح كل ما لديك من إمكانات هي مجرد وسائل للوصول للهدف .
من هنا فإن الإقبال على شبكة الأنترنت لا يجب أن يكون لمجرد الإقبال ، معناه لايجب أن يكون الإقبال مقصودا لذاته إلا إذا كان دروسا تطبيقية تلقن الطفل مبادئ التعامل مع الأنترنت ،أو دروسا يشارك فيها الكبار والصغار لمحاربة الأمية الرقمية ، ذلك أن الجهل بطرق استخدام الشبكة ، والجهل بالإعلاميات الحديثة لا يقل خطورة عن الظاهرة التي تنتج عن الاستعمال غير الراشد والموجه للشبكة. ولا شك أن الحصص التقنية هي محدودة العدد والوقت ، وهي خطوة أولى نحو توظيف شبكة الأنترنت في تنمية المدارك الروحية والتربوية والعلمية والمعرفية للطفل.
- المراقبة العامة:
مراقبة الأطفال هي جزء من العملية التربوية، فالعملية التربوية تقتضي متابعة الطفل زمانا ومكانا وموضوعا، وهي ما نطلق عليها ” المراقبة العامة” أو ” المراقبة المستمرة”.
نعني ب( الزمان) متابعته في كل أطوار نموه ، وعبر الأدوار التي يقطعها في حياته ، لأن الانحراف لا سن له ، يمكنه أن ينحرف في أية لحظة من لحظات العمر وهذا يقتضي متابعته عبر مختلف المراحل إلى أن يشب عن الطوق، أو على الأقل يصبح مميزا ومسؤولا.
نعني ب( المكان) متابعته في كل الأمكنة التي يسلكها ، فالبيت مكان ، والمدرسة مكان ، والشارع مكان ، مثلما يجب توجيهه إلى المكان المناسب يجب تحذيره من المكان غير المناسب .
ونعني ب ( الموضوع) إثارة الموضوعات الضرورية في حياته ليهتم بها ويوليها عناية فائقة في مسيرة حياته،لأن التفريط فيها هو تفريط في وجوده وحياته، هذه الموضوعات هي المحافظة على علمه وثقافته ودينه وصحته وعقله ونفسه ، مع ضبط علاقته مع الله والإنسان والمحيط…أعتقد أن الطفل لا يدرك ذلك لكن بالتوجيه والتربية على المبادئ يفهم ذلك على مر الأيام ويعيه.
- الحصانة الذاتية:
” التربية العامة ” أو ” التربية المستمرة ” من شأنها أن توصل إلى نوع مهم في التربية هي ( الحصانة الذاتية) .
صحيح جدا أن مصاحبة الأطفال ومراقبتهم يجب أن تكون دائمة ومسترسلة ، لكن هذا يتعذر على البعض ، إذ لا يمكنهم مصاحبة أبنائهم أينما حلوا وارتحلوا، لكن هذا النوع من التربية يجعل الطفل يراقب نفسه بنفسه، ويسعى جاهدا إلى مراقبة نفسه وتوجيهها حتى إذا رآى شيئا غير مرض عرضه على آبائه ومربيه، فعلى الآباء والمربين أن يمارسوا أسلوب التصفية لا الحرمان كما يسود في بعض السلوكات التربوية ، وهو حرمان الطفل من مشاهدة التلفزيون والسينما والمسرح فلا يتعامل مع شبكة الأنترنت ولا مع الوسائل الإلكترونية الحديثة، وهذا أسلوب مدمر لرغبات الطفل وكابح لجماع تطلعاته، فالحرمان وسيلة تربوية أثبتت فشلها ، فإذا خيف على الطفل من التعامل مع هذه الوسائل وهو صغير أصبح مدمنا عليها وهو كبير، وقد ينحرف في كبر سنه ، فكم من آفة التقطها الكبير بسسب توجيه سيئ في الصغر، فكأنه يحاول تعويض ما فاته في الصغر حين كان تحت مراقبة صارمة لا ترحم .
إن أسلوب التصفية والغربلة يكتسب عند الطفل بفعل التوجيه ، وهذا يتطلب من المربي أن يشارك الطفل في تصفح المواقع ومشاهدة مواضيعها حتى إذا كان فيها ما لا يسر أعرض عنه وأصدر حكما عليه ، وهذا من شأنه أن يزرع في الطفل الثقة في النفس في الحكم على القضايا ، وفي مشاهدة ما ينفع وغلق ما يضر.
وبخصوص الأفلام الكارطونية التي يكثر أطفالنا من مشاهدتها يجب بث الوعي لديهم على أنها مجرد كارطون وليست حقيقة ، كما أن المسرحيات هي مجرد تمثيل لا حقيقة ، وكذلك السينما هي مجرد تصوير يتم بصنعة تقنية فائقة ، وعلى الطفل أن يفرق بين ما يراه ويشاهده في الأفلام والمسرحيات وما يعيشه في الواقع حتى لا يختلط لديه الخيال بالواقع والتمثيل بالحقيقة ، وأن كل هذا – وإن تناول قضايا واقعية وعالج مسائل اجتماعية – فهو لأجل الترفيه والفرجة ، تشاهد في أوقات الفراغ ، لا تأخذ منا كل الوقت وكل الجهد وكل المال، ثم يجب بث الوعي لديه أن وراء كل هذا أرباحا اقتصادية مثل الإشهار تماما ، وأن الممثلين والمسرحيين والأبطال والمخرجين فيهم من ينتمي إلى وطنه وفيهم من ينتمي إلى أوطان أخرى ، ومنهم من هو على غير دينه ويتكلم بغير لسانه ، فهؤلاء يكيفون فنهم حسب اختصاصهم وتوجهاتهم وميولاتهم الخ.
بهذا يكون الطفل حاكما على كل المشاهد عوض أن يكون كتلة جامدة مستلبة ، فيصدر أحكام قيمة انطلاقا من خصوصيته وهويته وسنه ، وعلى الكبار أن يساعدوه على ذلك ، فإذا لم يساهم الآباء في تشكيل وعي أبنائهم ، وأن يسرعوا في التسابق إلى ذلك فإنهم سيسبقون في ذلك ، وسينازعون في أولادهم لا محالة ، وسيكون الخصم غدا هو اوالابن نفسه.
7- مقترحات وبدائل:
جرت العادة أننا نتكلم في الموضوع بما يكفي من المعالجة من دون ختمه بمقترحات وحلول ، وأعتقد أن موضوعا كهذا يحتاج إلى ذلك ، لأن الآباء والمربين هم بحاجة إلى حلول عملية لا إلى كلام نظري.
ما سنذكره في هذه الفقرة لا يقل أهمية عما مضى بيانه ، فالموضوع كله يعالج الظاهرة لكنه لا يبتعد كثيرا عن البدائل والحلول ، فهو يعرض لها بالبيان والإقتراح ، وما سنأتي عليه هنا هو مجرد اختصار لما سبق ذكره.
من المقترحات والبدائل ما يلي:
- شبكة الأنترنت هي عالم يشد الكبار مثلما يشد الصغار، فلا بد من منهجية صارمة للتعامل معها.
- شبكة الأنترنت هي جزء من المعلوميات الحديثة التي يجب على الأبناء أن يلجوها من دون إحراج لأن الجهل بها هو ضرب من الأمية ، تلك التي يطلقون عليها الأمية الرقمية.
- التعامل مع الشبكة يجب أن يكون مصحوبا بالمراقبة من قبل الآباء والمربين ، مراقبة مصحوبة بالتعليم والتلقين والتوجيه والإرشاد ، وكل هذا يدخل في المهمة التربوية .
- المهمة التربوية بفعل المراقبة العلمية المستمرة تكسب الطفل حصانة ذاتية تمكننه من مراقبة نفسه بنفسه.
- لا يكون التعامل مع الأنترنت بلا هدف ولا مقصد، يجب استخدامه فيما ينفع ، واستغلاله في الواجبات والفروض المنزلية ، أما الترفيه فخارج أوقات الدراسة.
- رصد الحالات التي يؤثر فيها الأنترنت سلبا على الأطفال ، ومحاولة تجنبها أو التخفيف من آثارها السلبية على الطفل.
- إثارة الكلام فيها من قبل الآباء والمربين ، وتخصيص ملتقيات وحوارات خاصة لمعالجة الموضوع مع استقدام خبراء وباحثين واختصاصيين في الموضع.
- إقامة دورات تكوينية ولقاءات تحسيسية للأطفال حول طرق التعامل مع شبكة الأنترنت بصفة خاصة.
- المشرفون على التوجيه والتعليم يجب أن يكونوا على تكوين علمي وتفني وتربوي جيد ولا سيما في محلات cyber التي يشرف عليها أناس لا تكوين لهم ، وغير مؤهلين للتربية والتوجيه، فيذهب كثير من الأطفال ضحية حرية غير مقيدة وتسيب في التعامل مع الأنترنت من دون حدود ولا قيود.
– أخرجه البخاري في الجامع الصحيح –كتاب الجنائز- إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه- أنظر فتح الباري 3/219 حديث رقم 1358.[1]