بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد:
نقتصر في هذا الدرس على ثلاثة عناصر : الأول في فرْضية الحج ، والثاني في توقيته ، والثالث في أضرب الإحرام ، وهي أمور لا بد من الحجاج أن يعرفوها حتى وإن لم يقفوا على بعضها .
1- فرْضية الحج :
معلوم أن الله تعالى فرض الحج كما فرض الفرائض الأخرى ، وفرض الله تعالى الحج على المسلم القادر البالغ والحر وجوبا إذا استطاع السبيل إليه ، أما إذا كانت الاستطاعة غير محققة فلا وجوب عليه ، لكن يعتقد فرضيته ووجوبه عليه في نفسه حتى تصلح نيته ، وقد فرضه الله تعالى كما فرضه على من كان قبلنا من الأمم السابقة ، فالشهادة فرضها الله تعالى على كل الأمم ، والصلاة فرضها الله تعالى على من سبق ، وكذلك الزكاة لقوله تعالى خطابا لبني إسرائيل : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين )[1] ، وكذلك الصيام لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات)[2] ، أما الحج فهو سنة إبراهيم عليه السلام ، فهو الذي جاور بالبيت ، وسعت أمنا هاجر بين الصفا والمروة طلبا للماء ، وبنى إبراهيم القواعد من البيت مع إسماعيل ، ورجم إبراهيم الشيطان في الجمرات إلخ ، هذا كله حتى يعلم المؤمن بأن الله فرض علينا الفرائض كما فرضها على من تقدم ، فهي من شرع من قبلنا ، لكن وقع النسخ في هذه الفرائض بما يخفف على هذه الأمة أعباء التكليف ( ما ننسخ من آية أو ننسها نات بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) [3]، والكلام في بيان ما نسخ يحتاج إلى وقت ليس هذا مقامه.
ولا خلاف في كون الحج هو آخر الأركان فرضا ، وهذا من التخفيف ، وأن حجة الاسلام هي واحدة في العمر ، وهذا من التيسير ، وذهبت بعض المذاهب الفقهية أنه على التراخي بالنسبة للمستطيع قياسا على السنة ، وهو من رفع الحرج أيضا ، فُرض الحج عام سبع ، وحج النبي صلى الله عليه وسلم عام تسع .
2- توقيت الحج :
الذي فرض الفرائض هو الذي وقتها ، فالتوقيت لا اجتهاد فيه بل تجري أموره على التوقيف ، ولذلك قال الفقهاء ( التوقيت بالتوقيف).
وتوقيت الفرائض يختلف ، فالصلوات الخمس لها أوقاتها المعلومة ( إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا) [4]، وأوقاتها قصيرة إذا ما قيست بشهر رمضان ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه)[5] ، وكذلك الزكاة ، أما الحج ففي أشهر الحج المعلومة ( الحج أشهر معلومات ، فمن فرض فيهن الحج فلا فرث ولا فسوق ولا جدال في الحج)[6] ، والأشهر المعلومة هي التي حددها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بقوله : ( أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ) [7]، وقد وسع الشارع الحكيم في الأشهر تيسيرا للوصول إلى مكة لبعد الطريق ومشقة السفر ، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ، فإن من سنة الحج أن يُحرم بالحج في أشهر الحج) [8]، وإذا أهل الحاج بالحج في أشهر الحج فعليه أن يحافظ على أركان الحج في مواقيتها مثل الوقوف بعرفة وغير ذلك ، كما عليه أن يحافظ على ترتيبها كما جاءت بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
3-أضرب الإحرام[9]:
الحج واحد لا يتعدد ، لكن الشارع نوع فيه لأجل التيسير والتسهيل ، فمن الحج الإفراد والتمتع والقران .
أ- الإفراد أن يلبي الحاج من الميقات مفردا ، يعني لا توجد معه عمرة ، يقول في التلبية :” لبيك حجا “، ويبقى على إحرامه حتى ينتهي من حجه ويجنب محظورات الإحرام ، ولا هدي عليه .
ب- التمتع ، أن يلبي من الميقات بقوله :” لبيك عمرة “، وفي نيته أن يبقى إلى الحج ، فهذا هو المتمع ، وعليه هدي لقوله تعالى: ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) [10]، وحين يأتي الحج فهو يخرج من بيته إن كان من سكان مكة محرما في يوم التروية ، وهو الثامن من ذي الحجة ، وهو يوم بداية مناسك الحج حيث يتوجه الناس إلى منى.
ج- القارن : وهو الذي يلبي بقوله : “لبيك عمرة وحجا” ، ويبقى على إحرامه إلى حين ينتهي من مناسك الحج .
نشر على الموقع بتاريخ 20/7/2019م
………………………………………………………………………………………
[1]- سورة البقرة الآية 43
[2]– سورة البقرة الآية 183.
[3]– سورة البقرة الآية 106.
[4]– سورة النساء الآية 103.
[5]– سورة البقرة الأية 185.
[6]– سورة الحج الآية 197.
[7] – رواه البخاري تعليقا في جامعه الصحيح ، كتاب الحج ، باب قول الله تعالى ” الحج أشهر معلومات ، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج” ، أنظر الفتح 3/419 ، الباب 33.
[8]– المصدر السابق.
[9] – أنظر ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، كتاب الحج ، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران ، وجواز إدخال الحج على العمرة ، ومتى يحل القارن من نسكه ، 2/870 حديث رقم 1211 ،
[10]– سورة البقرة الآية 196.
Scroll To Top