الخطب المنبرية والوعظ والإرشاد, فقه وأصول

الدرس الخامس: الركن الأول : النية والإحرام أ.د. محمد خروبات

الدرس الخامس:

في الركن الأول : النية والإحرام.

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد :

  فبعد الدرس السابق الذي تكلمنا فيه عن الحج من حيث الفرضية والتوقيت والأضرب ننتقل الآن للكلام عن أركان الحج ، ركنا بركن ، ومعلوم أن الكلام عن الركن مقدم عن الواجبات والسنن ، ذلك أن من فوت الركن فقد فوت الحج ، وإذا فات لا ينجبر بالدم بخلاف تفويت الواجبات.

  أركان الحج أربعة : الإحرام ، والوقوف بعرفة ، وطواف الإفاضة ، والسعي بين الصفا والمروة .

  1- الركن الأول : الإحرام .

 للإحرام معنيان اثنان  متداولان ، وهما ما يتبادر إلى الذهن عند الاطلاق :   الأول النية ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )[1] ، ومعلوم أن الحج هو عمل عبادي ، لا بد فيه من النية ، لأن النية هي التيتحدد قصد الحاج من حجه ، هل للتجارة أم للنزهة ، أم للرياء والسمعة ،أم لصلة الرحم ولقاء الأحباب والأصحاب ، أم للعمرة أم للقران ، أم للإفراد بحسب ما بيناه في دروسنا السابقة ، وإذا نوى نفلا لا ينعقد فرضا ، ومن خالف لفظه قصده فالعبرة بالقصد لا باللفظ ، وإذا حج على الصبي أو المريض فهذا يقع نفلا لا فرضا وحجة الإسلام في ذمته ، وهو المستفاد من قوله تعالى  ( الأشهر أشهر معلومات ، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) .

 فقوله ( فمن فرض فيهن الحج) أي عزم ونوى ، نية الحج هي العزم عليه ، ولا نية مع غير امتثال ، فلا بد فيها من القول والفعل المرتبطين بالحج ، مثل التلبية والتجرد من المخيط  والمحيط ، وهذه الآية دليل قوي على ركنية الإحرام ، لأن قوله تعالى 🙁 فرض)، تعني نوى وعزم ، والنية فيه لا تقوم إلا بالعزم عليه ، وبقصده قصدا غير مشوب بما يكدره.

 وأما المعنى الثاني فهو لباس الإحرام ، والعلماء لا يفرقون بين النية والإحرام لأن النية مرتبطة به ، فلا يلبس الإحرام إلا بنية الحج لمن قصد الحج ، والإحرام يكون من الميقات ، والميقات على نوعين حددهما الشارع وهما بالتوقيف ، الميقات الزماني والمكاني.

   الميقات الزماني عام وخاص ، عينهما الشارع ، العام حدده  في الأشهر المعلومات : شوال ، وذي القعدة ، وذي الحجة ، ونحن في الأشهر الحرم ، وهذا يعني أن الأشهر الحرم قد دخلت ، وهذه هي أشهر الحج بالنسبة لمن يريد الحج ، ويخطئ البعض حين يحمل قوله تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ، أن المقصود بها هو حين يكون الحاج في المناسك ، أقول : إن قوله تعالى ( فمن فرض فيهن الحج ) أي في الأشهر الحرم ، وعليه فقوله تعالى: ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) تدخل فيها الأشهر الحرم أيضا ، أما النهي عن الرفث والفسق والجدال أثناء قيام الحاج بالمناسك فهذا داخل من باب أولى ، والخاص محدد بوقت المناسك ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( الحج عرفة) ، ويعني به اليوم ، وغير ذلك من المناسك التي تحددت أوقاتها ، وعُرف زمنها .

الميقات المكاني عام وخاص أيضا ، فالعام حدده الشارع بالنسبة للقادمين مكة من كل الجهات ، عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه قال : ( وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجُحفة ، ولأهل نجد  قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، قال : فهن لهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ، فمن كان دونهن فمن أهله ، وكذا كذلك ، حتى أهل مكة يهلون منها) [2]، وأما الميقات الخاص فهو الذي يخص  أهل المغرب ، وهو من ثلاثة جهات ، فمن كان في مكة فليهل من مكة فمكة كلها ميقات ، ومن توجه من المدينة إلى مكة فالميقات آبار علي ” ذو الحليفة” ، ومن توجه من المغرب فالميقات هو رابغ وهو الجحفة سابقا .

 ومن مر من الميقات ولم يحرم فعليه الرجوع إلى الميقات ، فإذا رجع فلا دم عليه ، ومن تعذر عيه الرجوع  لخوف على المال والنفس ، أو الخوف من فوات الرفقة ، أو غير ذلك فعليه دم .

  2- واجبات الإحرم :

أ- تجرد الذكر من المُحيط والمَخيط بخلاف الأنثى ليس عليها تجرد ، دليل ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال : ( لا تلبسوا القمص ولا العمائم ، ولا السراويل ولا البرانس ، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران أو الورس) [3].

والإحرام يطلق فيراد به ما يستر به الحاج جسمه ، وهو على ثلاثة قطع والرابعة مجوزة ، فالأول قطعة من الثوب توضع في الأسفل ، والثانية قطعة توضع على الكتف ، والثالثة ما ينتعل من غير محيط ولا مخيط ، وقد تقدم ، والمجوز حزام النطاق الذي يشد به الحاج خاصرته ، ويضع فيه وثائقه ونقوده ، ويشترط أن يكون غير مخيط.

 وللثوب بهذه المواصفات فلسفة خاصة ما أحوجنا إلى التذكير بها ، وهي أنه :

– يذكر بيوم المولد ، فيوم المولد لففت في خرقة وأنت ضعيف ، لا حول لك ولا قوة ، ويوم المولد ولدت ولا ذنب عليك ، كذلك الحج المبرور .

– يذكر بيوم الوفاة ، حين تكفن في ثوب محيط ، وتوضع في قبرك .

– يذكرك الوقوف بعرفة بالوقوف يوم المحشر ، يوم يحشر الناس إلى ربهم.

– يذكرك بالمساواة المطلقة مع الناس كلهم ، لا فرق بين غني وفقير ، ولا بين صغير وكبير ، الناس سواسية أمام ربهم بلباس واحد .

– الحج هو هجرة إلى الله عز وجل ، استجاب فيها العبد لنداء ربه ، فكان ضيفا من ضيوفه ، حين يلبس الحاج الإحرام يجب أن ينقطع عن الدنيا ليكون مع الله تعالى في هذه الأيام ، ولذلك قال : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من حج لله  فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )[4] .

ب- التلبية ، واجبة على المحرم ذكرا أو أنثى ، ويجب وصلها بالإحرام ، فمن تركها فعليه دم ، ويسن رفع الصوت بها ، والتلبية المسنونة هي ما رواه  سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا يقول : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لا يزيد على هذه الكلمات ) [5] ، ومعناها : إجابة بعد إجابة ، وإخلاص لك ، واستجابة لدعوتك ، وقيل معناها : أنا مقيم على طاعتك وإجابتك .

ج- كشف الرأس ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( ولا تلبسوا العمائم) .

 3- سنن الإحرام:

أ- الغسل للإحرام ، يكون متصلا به.

ب- صلاة ركعتين أو أكثر بعد الغسل .

ج- رفع الصوت بالتلبية.

    والحمد لله رب العالمين

نشر على الموقع بتاريخ 20/7/2019

………………………………………………………………………………………….

[1]– حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي ، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنظر الفتح 1/9 رقم الحديث 1.

[2]– حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الحج ، باب مواقيت الحج والعمرة ، 2/838-839 رقم الحديث 1181.

[3]– حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ،  أخرجه مسلم في الصحيح ، كتاب الحج ، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة ، وبيان تحريم الطيب عليه ، 2/834 رقم الحديث 1177

[4]– متفق عليه من حديث أبي هريرة ، أخرجه البخاري في جامعه الصحيح ، كتاب الحج ، باب فضل الحج المبرور ، أنظر الفتح 3/382 رقم الحديث 1521.وأخرجه مسلم في الحج ، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة ، 2/983 رقم الحديث 1350.

[5]– أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الحج ، باب التلبية وصفتها ووقتها ، 2/842 رقم الحديث 1184.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *