بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد:
أستهل دروس تأطير حجاج بيت الله الحرام بالكلام عن الحج كركن من أركان الإسلام ، نحدد هذا الركن ونتناول الكلام فيه ضمن مجموع الأركان الخمسة التي فرضها الله تعالى على المسلمين.
على الحاج أن يعلم بأن الحج هو ركن من الأركان وليس ركنا وحيدا منعزلا ، ذلك أن بعض الحجاج لقلة علمهم يصرفون وقتهم للحج ويغفلون الصلاة والزكاة والصيام ، نُذكر هؤلاء بأن الحج ركن من الأركان ، وهو الركن الخامس في ترتيب الأركان لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إلاه إلا الله، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا )[1] ، وفي حديث جبريل 🙁 أخبرني عن الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة، وتوتي الزكاة ، وتصوم رمضان ،وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا )، قال جبريل عليه السلام : صدقت [2]، وغير ذلك من الآثار التي تحدد أركان الإسلام في خمسة ، فمن زاد أو نقص فقد ابتدع ، ويستفاد منها ترتيب الأركان كما فرضت ، وهو ترتيب توقيفي على المسلم أن يحافظ عليه حتى لا يكون إسلامه مقلوبا في أركانه ، فمن الناس من يحج ولا يصلي ، ومنهم من يزكي ولا يصلى ، ومنهم من يصوم ولا يصلى ، وهكذا .
إن الحكمة من جعل الحج آخر الأركان فرضا هو أن يتدرج المسلم من ركن إلى ركن إلى أن يصل إلى الحج وقد صلى وصام وزكى ، وتجد هذا مع بعض الحجاج حين تفسر له مناسك الحج وأركانه وواجباته وما يلزم من آداب وأخلاق فيسألك عن الوضوء وكيفية الصلاة . لا بد من الإتيان بهذه الأركان مجتمعة حتى تتيسر مناسك الحج ، ففي الحج الطهارة والصلاة والنفقة والذكر والدعاء ، فهو ركن شامل وجامع ، ومن باب التيسير على العباد أن الله تعالى فرضه مرة واحدة في العمر ، فمن حج حجة الإسلام وعاود الحج مرات فهي نوافل ليس إلا[3] .
وقوله ” لمن استطاع إليه سبيلا ” ، قيد الحج بالاستطاعة ، فغير القادر هو غير مستطيع ، فما هي الاستطاعة المذكورة في الحديث ؟
الاستطاعة على ثلاثة أنواع : استطاعة بدنية ، واستطاعة مالية ، واستطاعة علمية .
1- الاستطاعة البدنية : وقد رُتبت هي الأولى ، إذا فُقدت سقطت كل الأنواع الأخرى ، ونعني بالبدنية “الصحية” ، فعلى الراغب في الحج أن ينظر إلى حالته الصحية ، وهو أدرى بها من غيره ، وإذا التبس عليه أمرها فليستعن بالطبيب ليشخص حالته ، هل هو في تمام الصحة والعافية أم معلول بعلة معينة ، وهل تلك العلة معدية أم غير معدية ، فإذا كان مريضا بعلة يرجى الشفاء منها فإلى حين يشفى من مرضه ، وإذا كانت به علة معدية فلا يجوز له الحج لأربعة أسباب :
الأول : أن هذه الأمراض تجعل الحاج منشغلا بصحته ، فتفوت عليه القيام بالمناسك ، فلا تمكنه من القيام بالأركان ، فإذا فوتت عليه الوقوف بعرفة مثلا فلا حج له .
الثاني : أن يُشغل من معه بنفسه ، فيفوت على غيره ما فوته على نفسه ، وقد يتضايق الناس منه بهذا السبب .
الثالث: إذا كان يعلم بأن المرض سيزيد عليه ويشتد ، ولربما يموت بسببه فهذا منهي عنه لأن الله تعالى أمرنا أن لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة ، أما ما يشاع عند العوام من أن الموت في تلك الديار أفضل فليس بهذه الكيفية .
الرابع : أن مناسك الحج تكون مع الجماعة ، في الطواف والسعي والوقوف والرجم والصلاة ، والازدحام حاصلا ، فالعدوى تنتقل إلى الناس لا محالة ، ومعلوم أن الحاج يريد الثواب من الله وغسل الذنوب ، أما إذا حج وهو يعلم ما به فقد أثم من كل علة تنتقل إلى الناس بسببه وهو يعلمها ، وإذا أدت إلى الوفاة كان الوزر أكبر ، فلينتبه لهذا .
أظن أن الوزارة الوصية حين تتشدد في المراقبة الصحية فهي تراعي هذا القصد ، سلامة الحاج وسلامة الحجاج ، أما الأمراض التي تتحصل أثناء المناسك فقد هيأت لها الوزارة الوصية بعثة طبية تسهر على علاج الحجاج المغاربة في الديار المقدسة ، والحج له استعدادات ولوازم ، فمن اللوازم – وهذا ما سنشير إليه فيما يجب أن يقوم به الحاج قبل لبس الإحرام في درس آداب وأخلاق الحجاج – أن يعد الحاج للحج عدته ، ومن عدته بعض الأدوية للوقاية الصحية ، فالأمراض التي تنتشر بكثرة معروفة ومشهورة مثل : الزكام ، وصداع الرأس ، والسعال ، وقرحة المعدة ، والتسمم الغذائي ، ونقص المناعة نتيجة الجهد المبذول في المناسك ، ومرض العيون ، كل هذه الأمراض يمكن للحاج أن يأخذ بعض الأدوية للاحتياط ، صحيح أن الطبيب موجود لكن الحاج قد يُحصل الدواء ويضيع الوقت الذي هو أثمن شيء في المناسك.
2- الاستطاعة المادية ، ونعني بها المالية ، هل المال الذي هو معه يكفيه طيلة مدة الحج ، هل المال الذي ادخره للحج هو حلال لا شبهة فيه ، هل أخذه دينا وكيف تعامل مع أصحاب الدين ؟ هل كتب وصيته قبل سفره ، وكيف ترك من يعول ؟ وهل وفر لهم المال الكافي حتى يعود ؟
كم رجل حج من مال حرام أومال مغصوب أو مشبوه ، وكم من رجل حج وترك أطفاله مرضى وجياع ، كم من واحد حج وترك أهله وأولاده يتكففون الناس ، وكم من رجل حج وقد فرط في والديه فلما رجع وجدهم قد ماتوا ، وأمامنا قصة الرجل الذي استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد ، فقال له : ألك أبوان ؟ قال : نعم ، فقال له 🙁 ففيهما فجاهد) [4] .
3- الاستطاعة العلمية : هي أن يكون الحاج على دراية تامة بما سيفعله في تلك الديار المقدسة من مناسك ، ولذلك سُنت عملية تأطير الحجاج وتكوينهم وتيسير السبل لهم ، وهي عملية تتم بأسلوبين : الأول التكوين والتأطير في المساجد ، وهي على مستووين : مستوى علمي يقوم به المرشدون والوعاظ ، مستوى إداري تقوم به الإدارة الوصية على الحجاج . والأسلوب الثاني بإيفاد بعثة علمية تكون رفقة الحجاج طيلة وجودهم هناك ، ونذكر بهذه المناسبة أن الحج عبادة ، وعبادة الله لا تتم إلا بالعلم ، فمن علم فليزم ، ومن لم يعلم فليسأل أهل العلم حتى يفهم ويعلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو في الحج : ( خذوا عني مناسككم) ، فلا مناسك إلا وفق ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
على الحاج أن يكون لديه استعداد للتعلم ، وعليه أن يجتهد على نفسه في هذا الباب ، فهي دورة تكوينية مهمة في حياة الحاج قد لا تتكرر مرة أخرى ، والمطلوب من الحاج ما يلي:
أولا : مطالعة ما تيسر من كتب ورسائل فقه الحج ، ف “الاستطاعة” المتكلم عليها هنا لا تعني مطالعة الكتب ، والاستغراق في الجزئيات والتفاصيل ، والدخول في الخلافيات الفقهية والحديثية فهذا يتطلب جهدا كبيرا قد لا يدخل في طاقة الحاج ، ويتطلب وقتا ووقت الحج محدود جدا ، فليختر الرسائل القصيرة والكتب التي طبعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وفق المذهب المالكي وهي مختصرة جدا .
ثانيا: الاستماع إلى الأشرطة والدروس المسجلة ، ولاسيما الدروس التي تداع على السادسة في توعية حجاج بيت الله الحرام.
ثالثا: أن لا يكف الحاج عن السؤال في كل ما يعترضه في المناسك ، وفي كل ما يستشكل عنه بخصوص الأركان والواجبات والسنن إلخ .
رابعا : أن يتبع المرشدين ومن هم معه ، ويقلدهم في كل ما يفعلون ، فبالتقليد يتعلم لأن الجو هو جو الحج ، فإذا دخلوا في الطواف طاف ، وفي السعي سعى ، وفي الوقوف وقف ، وفي الرجم رجم …
خامسا: أن يلتمس الرفيق العالم ، فإذا فقد العالم فالعارف ، وإذا فقد العارف فالفاهم .
يليه الدرس الثاني : صيانة الحج ( آداب الحج وأخلاقه).
نشر على الموقع الأكاديمي بتاريخ: 16/7/2019م
……………………………………………………………………………………………………