افهم أيها السالك لدروب المعرفة قواعد في الفهم لعلها تنير دربك وتفتح لك مغاليق التناول العلمي والتداول المعرفي ، واعلم أن “العلم” و”المعرفة” و”الفهم” هي أمور متغايرة ، لا يلزم من “العلم” المعرفة ، كما لا يلزم من “المعرفة” الفهم ، فالمقصد الأسنى في الإدراك هو “الفهم” ، إذا فهمت فقد عرفت ، وإذا عرفت فقد علمت ، الناس قد تتساوى في العلم بشيء معين ، لأنها إذا علمت خرجت عن حد الأمية ، فالعلم بالشيء يخرجك من دائرة الأمية فقط ، المسلمون الممتثلون يعلمون من الإسلام ولو المعلوم منه بالضرورة ، لكن معارفهم به تتفاوت بتفاوت القراءة والمطالعة والمجالسة والمساءلة إلخ ، ثم إن هؤلاء العارفين تتفاوت معارفهم بتفاوت فهمهم، نعلم بأن الصلاة واجبة ، وأنها ركن من الأركان ، ونعرف كم هي عدد الصلوات في اليوم ، ووقتها ، وما يلزم من طهارة في القيام بها لكننا لا نفهم سر وجوبها ، وسر توقيتها ، والمغزى من توزيعها على اليوم ، وفهم مقاصد الأحكام على الجملة إلخ ، وما نقوله هنا لا ينطبق على الإسلام وأحكامه بل هو عام على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يتعلق بالعلوم والمعارف على الإجمال ، هذا من حيث التمييز بين العلم والمعرفة والفهم ، أما الفهم – وهو المقصود من مقالنا – فهو على الحصر ثلاثة أنواع : فهم قبل الإنجاز ، وفهم أثناء الإنجاز ، وفهم بعد الإنجاز ، وليسأل المُدرك لفهم الأمور أي نوع من أنواع الفهم يريد ، لأنه إن تساءل وقف على الجواب ، وسهل عليه الإدراك ، كم من مريدِ فهمٍ هو في النوع الأول لكنه تائه في النوع الثاني ، أوهو يريد الثالث وتائه في الثاني أو الأول .
أولا : فهم قبل الإنجاز
لا يمكنك أن تقبل على إنجاز شيء كيفما كان إلا وأنت مدرك للدواعي والأسباب والدوافع ، وهذا الإدراك نطلق عليه ” الفهم القبلي” لأنه فهم سابق ، فهو المتحكم في إخراج الإنجاز إلى حيز الوجود ، وليكن هذا الشيء رسالة علمية ، أو كتابا علميا ، أو مدونة من المدونات، أو موضوعا ، أو غير ذلك.
الفهم القبلي هو أساس النجاح ، وهو منطلق الفلاح ، وهو عمدة الصلاح .
ثانيا: فهم أثناء الإنجاز.
أثناء الإنجاز يتولد لديك فهم زائد عن النوع الأول ، لم يكن حاضرا في البداية لكن أثناء الشروع في العمل يظهر ، قد يظهر في بداية العمل ، أو في وسطه ، أو أثناء النهاية ، وهذا النوع من الفهم نطلق عليه ” الفهم البنائي ” .
ثالثا: فهم ما بعد الإنجاز
هذا النوع من الفهم يظهر بعد الإنجاز ، أي بعد مضي وقت ، وعلى التراخي ، وهذا النوع من الفهم نطلق عليه ” الفهم البَعْدي” ، على المدرك لفهم أموره أن يستعد لتمثله ، فنجاحه لا يكتمل إلا بهذا النوع من الفهم .
طبق هذه الفهوم على إنجازك تجدها نافعة إن شاء الله.
نشر بالموقع بتاريخ 6/3/2019